الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله والركوع والسجود ) لقوله تعالى { اركعوا واسجدوا } وللإجماع على فرضيتهما وركنيتهما واختلفوا في حد الركوع ففي البدائع وأكثر الكتب : القدر المفروض من الركوع أصل الانحناء والميل ، وفي الحاوي : فرض الركوع انحناء الظهر ، وفي منية المصلي : الركوع طأطأة الرأس ، ومقتضى الأول لو طأطأ رأسه ولم يحن ظهره أصلا مع قدرته عليه لا يخرج عن عهدة فرض الركوع ، وهو حسن ، كذا في شرح منية المصلي ، وفيها : الأحدب إذا بلغت حدوبته إلى الركوع يخفض رأسه في الركوع فإنه القدر الممكن في حقه ، وحقيقة السجود وضع بعض الوجه على الأرض مما لا سخرية فيه فدخل الأنف وخرج الخد والذقن وما إذا رفع قدميه في السجود فإن السجود مع رفع [ ص: 310 ] القدمين بالتلاعب أشبه منه بالتعظيم والإجلال وسيأتي أنه يكفيه وضع أصبع واحدة ، وأنه يصح الاقتصار على الجبهة وعلى الأنف وحده وبيان الخلاف في ذلك ، وبما قررناه علم أن تعريف بعضهم السجود بوضع الجبهة ليس بصحيح ; لأن وضعها ليس بركن ; لأنه يجوز الاقتصار على الأنف من غير عذر عند أبي حنيفة ، وإن كان الفتوى على قولهما ، والمراد من السجود : السجدتان فأصله ثابت بالكتاب والسنة والإجماع وكونه مثنى في كل ركعة بالسنة والإجماع ، وهو أمر تعبدي لم يعقل له معنى على قول أكثر مشايخنا تحقيقا للابتداء : ومن مشايخنا من يذكر له حكمة : فقيل : إنما كان مثنى ترغيما للشيطان حيث لم يسجد فإنه أمر بسجدة فلم يفعل فنحن نسجد مرتين ترغيما له ، وقيل الأولى لامتثال الأمر والثانية ترغيما له حيث لم يسجد استكبارا ، وقيل : الأولى لشكر الإيمان والثانية لبقائه ، وقيل : في الأولى إشارة إلى أنه خلق من الأرض ، وفي الثانية إلى أنه يعاد إليها ، وقيل : لما أخذ الميثاق على ذرية آدم أمرهم بالسجود تصديقا لما قالوا فسجد المسلمون كلهم وبقي الكفار فلما رفع المسلمون رءوسهم رأوا الكفار لم يسجدوا فسجدوا ثانيا شكرا للتوفيق كما ذكره شيخ الإسلام .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله ومقتضى الأول أنه لو طأطأ إلخ ) ظاهره أن مقتضى كلام المنية أنه لو طأطأ رأسه ولم يحن ظهره مع القدرة عليه يخرج عن العهدة وليس كذلك فإن مراده طأطأة الرأس مع انحناء الظهر كما يدل عليه قوله الآتي وإن طأطأ رأسه قليلا ولم يعتدل إن كان إلى الركوع أقرب جاز وإن كان إلى القيام أقرب لا يجوز . ا هـ .

                                                                                        وقال الشيخ إبراهيم في شرحها طأطأة الرأس أي خفضه مع انحناء الظهر لأنه هو المفهوم من وضع اللغة فيصدق عليه قوله تعالى { اركعوا } ، وأما كما له فبانحناء الصلب حتى يستوي الرأس بالعجز محاذاة ، وهو حد الاعتدال فيه ا هـ .

                                                                                        كذا في حواشي نوح أفندي ( قوله وخرج الخد والذقن ) تعقبه العلامة الغنيمي بأن قضيته أن الخد ليس من جملة الوجه ، وقد قالوا من فروض الوضوء غسل الوجه : وأقول : الإخراج ليس من جهة كونه ليس وجها بل الظاهر من البحر والنهر أنه بالخد والذقن والصدغ سخرية لكن فيه نظر بل الصواب زيادة قيد مع الاستقبال كما قدمناه عن الفتح لقول السراج وإن سجد على خده أو ذقنه لا يجوز لا في حالة العذر ولا في غيره لا أنه في حالة العذر يومئ إيماء ولا يسجد على الخد لأن الشرع عين الأنف والجبهة [ ص: 310 ] للوضع لأنهما مما يتأتى مع استقبال القبلة ووضع الخد لا يتأتى إلا بالانحراف عن القبلة فتعينت الجبهة والأنف للسجود شرعا ولأن السجود على الذقن لم يعهد تعظيما ، والصلاة إنما شرعت بأفعال تعرف تعظيما ، وأما قوله تعالى { يخرون للأذقان سجدا } فمعناه : يقعون على وجوههم سجدا أو المراد بالأذقان : الوجوه ، كذا قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كذا في شرح الشيخ إسماعيل ، وفي لزوم زيادة قيد الاستقبال نظر لأنه شرط خارج عن حقيقة السجود المعرف .

                                                                                        ( قوله وإن كان الفتوى على قولهما ) قال في النهر وأنت خبير بأن التعريف حيث جاء على الراجح فلا وجه لدعوى عدم صحته قال الشيخ إسماعيل وأجاب عنه تلميذه شيخنا أمتع الله تعالى بحياته : بأن التعريف المطابق لقول الكنز الذي هو بصدد شرحه إنما هو على قول الإمام فلا يلزم من كون قولهما هو المفتى به أن يكون مطابقا للكنز وأقول : إن أراد صاحب البحر بالبعض المعرف بذلك أحد شراح الكنز فهذا الجواب واضح لعدم مطابقته حينئذ المشروح ، وإن أراد صاحب المغرب حيث عرف بذلك وغيره من شراح كلام من مشى على قول الإمام فليس بكاف في الجواب والله تعالى أعلم بالصواب .




                                                                                        الخدمات العلمية