( قوله : وفرض الغسل قد تقدم وجه تقديم الوضوء على الغسل والواو في قوله وفرض إما للاستئناف أو للعطف على قوله فرض الوضوء والفرض مصدر بمعنى المفروض لأن المصدر يذكر ويراد به الزمان والمكان والفاعل والمفعول كذا في الكشاف وقوله الغسل يعني غسل الجنابة والحيض والنفاس كذا في السراج الوهاج وظاهره أن المضمضة والاستنشاق ليستا شرطين في الغسل المسنون حتى يصح بدونهما . غسل فمه وأنفه وبدنه )
ثم اعلم أن الكلام في [ ص: 48 ] الغسل في مواضع في تفسيره لغة وشرعا وفي سببه وركنه وشرائطه وسننه وآدابه وصفته وحكمه أما لغة فهو بالضم اسم من الاغتسال وهو تمام غسل الجسد واسم للماء الذي يغتسل به أيضا ومنه في حديث تفسيره ميمونة فوضعت له غسلا كذا في المغرب وقال النووي أنه بفتح الغين وضمها لغتان والفتح أفصح وأشهر عند أهل اللغة والضم هو الذي تستعمله الفقهاء أو أكثرهم واصطلاحا هو المعنى الأول اللغوي وهو غسل البدن وقد تقدم تفسير الغسل بالفتح لغة وشرعا
وأما فهو إسالة الماء على جميع ما يمكن إسالته عليه من البدن من غير حرج مرة واحدة حتى لو ركنه لم يجز الغسل ، وإن كانت يسيرة لقوله تعالى { بقيت لمعة لم يصبها الماء ، وإن كنتم جنبا فاطهروا } أمر الله سبحانه وتعالى بالأطهر بضم الهاء ; لأن أصله تطهر فأدغمت التاء في الطاء لقرب المخرج فجيء بحرف الوصل ليتوصل بها إلى النطق فصار اطهروا وبعض من لا خبرة له ولا دراية يقرأ بالاطهار وما ذاك إلا لحرمانه من العربية كذا في غاية البيان ، وهو تطهير جميع البدن واسم البدن يقع على الظاهر والباطن إلا أن ما يتعذر إيصال الماء إليه خارج عن قضية النص ، وكذا ما يتعسر ; لأن المتعسر منفي كالمتعذر كداخل العينين ، فإن في غسلهما من الحرج ما لا يخفى فإن العين شحم لا تقبل الماء وقد كف بصر من تكلف له من الصحابة كابن عمر ; ولهذا لا تغسل وابن عباس ; ولهذا وجبت العين إذا اكتحل بكحل نجس ; لأنه لا حرج في غسلهما فشملهما نص الكتاب من غير معارض كما شملهما قوله صلى الله عليه وسلم { المضمضة والاستنشاق في الغسل } رواه تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة الترمذي من غير معارض والبشرة ظاهر الجلد بخلافهما في الوضوء ; لأن الواجب فيه غسل الوجه ولا تقع المواجهة بداخلهما
وأما قوله صلى الله عليه وسلم { } وذكر منها المضمضة والاستنشاق لا يعارضه إذ كونهما من الفطرة لا ينفي الوجوب ; لأنها الدين ، وهو أعم منه قال صلى الله عليه وسلم { عشر من الفطرة } والمراد أعلى الواجبات على ما هو أعلى الأقوال ، وهو على هذا فلا حاجة إلى حمل المروي على حالة الحدث بدليل قوله صلى الله عليه وسلم { كل مولود يولد على الفطرة } كأنه يعني ما عن إنهما فرضان في الجنابة سنتان في الوضوء { أبي هريرة } لكن انعقد الإجماع على خروج اثنين منها ، وهو ضعيف كذا في فتح القدير والمراد بأعلى الواجبات الإسلام لكن قال أنه صلى الله عليه وسلم جعل المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثا فريضة أبو نصر الدبوسي كما نقله عنه الحاوي الحصري لا يصح أن يقال إن المولود يولد على الإسلام ; لأن من حكم بإسلامه مرة لم ينقل أبدا إلى غيره ولا يقر عليه بل معناه أنه يولد على الخلقة القابلة للإسلام بحيث إنه لو نظر إلى خلقته وتفكر فيها على حسب ما يجب لدلته على ربوبيته تعالى ووحدانيته ، ولو شرب الماء عبا أجزأه عن المضمضة لا مصا وعن لا إلا أن يمجه وفي الواقعات لا يخرج بالشرب على وجه السنة أو غيره ما لم يمجه ، وهو أحوط كذا في الخلاصة أبي يوسف
وقد يقال إن الأحوط الخروج ووجه كونه أحوط أنه قيل إن المج من والصحيح أنها ليست بشرط فكان الاحتياط الخروج عن الجنابة ; لأن الاحتياط [ ص: 49 ] العمل بأقوى الدليلين وأقواهما هنا الخروج بناء على الصحيح كما لا يخفى ، ولو كان سنه مجوفا أو بين أسنانه طعام أو درن رطب يجزيه ; لأن الماء لطيف يصل إلى كل موضع غالبا كذا في التجنيس ثم قال ذكر شرط المضمضة الصدر الشهيد حسام الدين في موضع آخر إذا كان في أسنانه كوات يبقى فيها الطعام لا يجزيه ما لم يخرجه ويجري الماء عليها ، وفي فتاوى الفضلي خلاف هذا فالاحتياط أن يفعل ا هـ . والفقيه أبي الليث
وفي معراج الدراية الأصح أنه يجزيه والدرن اليابس في الأنف كالخبز الممضوغ والعجين يمنع تمام الاغتسال ، وكذا جلد السمك والوسخ والدرن لا يمنع والتراب والطين في الظفر لا يمنع ; لأن الماء ينفد فيه وما على ظفر الصباغ يمنع وقيل لا يمنع للضرورة قال في المضمرات : وعليه الفتوى والصحيح أنه لا فرق بين القروي والمدني ا هـ .
ولو جازت طهارته ويجب بقي على جسده خرء برغوث أو ونيم ذباب أي ذرقه لم يصل الماء تحته ، ولو لم يكن قرط فدخل الماء الثقب عند مروره أجزأه كالسرة ، وإلا أدخله كذا في فتح القدير ولا يتكلف في إدخال شيء سوى الماء من خشب ونحوه كذا في شرح الوقاية ويدخل القلفة استحبابا على ما نبينه تحريك القرط والخاتم الضيقين كذا في المحيط ; لأنه كالفم ولا تدخل أصابعها في قبلها وبه يفتى ولو كان في الإنسان قرحة فبرأت وارتفع قشرها وأطراف القرحة متصلة بالجلد إلا الطرف الذي كان يخرج منه القيح ، فإنه يرتفع ولا يصل الماء إلى ما تحت القشرة أجزأه وضوءه ، وفي معناه الغسل كذا في النوازل وتغسل فرجها الخارج وجوبا في الغسل وسنة في الوضوء ونقله لأبي الليث الهندي أيضا ، ويجوز إذا تمضمض هكذا قيد في فتح القدير وظاهره أنه لا يجوز له قبل المضمضة لكن ذكر في البزازية ما يفيد أن هذا على رواية نجاسة الماء المستعمل ولفظها ويحل للجنب شرب الماء قبل المضمضة على وجه السنة ، وأن لا على وجهها لا ; لأنه شارب الماء المستعمل ، وأنه نجس ا هـ . للجنب أن يذكر اسم الله تعالى ، ويأكل ويشرب
فينبغي على الرواية المختارة المصححة المفتى بها من أن يباح الشرب مطلقا ويستفاد منه أن انفصال الماء عن العضو أعم من أن يكون إلى الباطن أو إلى الظاهر والمنقول في فتاوى طهارة الماء المستعمل قاضي خان فالمستحب له أن يغسل يديه وفاه ، وإن ترك لا بأس واختلفوا في الجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب الحائض
قال بعضهم : هي والجنب سواء وقال بعضهم : لا يستحب هاهنا ; لأن بالغسل لا تزول نجاسة الحيض عن الفم واليد بخلاف الجنابة ا هـ .
فاحفظه ، فإنه لا يأتي أهله ما لم يغتسل كذا في المبتغى وأقره عليه في فتح القدير وتعقبه في شرح منية المصلي بأن ظاهر الأحاديث فيه يفيد الاستحباب لا نفي الجواز المفاد من ظاهر كلامه ، ويجوز نقل البلة في الغسل من عضو إلى عضو ، إذا كان متقاطرا بخلاف الوضوء ، ولا يضر ما انتضح من غسله في إنائه بخلاف ما لو قطر كله في الإناء وسيأتي تمامه في بحث الماء المستعمل إن شاء الله تعالى ، وأما وللجنب أن يعاود أهله قبل أن يغتسل إلا إذا احتلم فما تقدم من شرائط الوضوء ، وأما شرائطه فاستباحة ما لا يحل إلا به ، وأما حكمه فستأتي مفصلة إن شاء الله تعالى ولا بأس بإيراد حديث سننه وآدابه وصفته وسببه بتمامه والتكلم على بعض معانيه روى مسلم بإسناده عن مسلم قالت قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم { عائشة مصعب أحد رواته ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة . وانتقاص الماء } بالقاف والصاد المهملة الاستنجاء وقيل انتقاص البول بسبب استعمال الماء في غسل مذاكيره وقال الجمهور الانتضاح ، وهو نضح الفرج بماء قليل لينفي عنه الوسواس عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء قال
فإذا أراه الشيطان ذلك أحاله على الماء وقد صرح بذلك مشايخنا في كتبهم لكن قالوا إن هذه الحيلة إنما تنفعه إذا كان العهد قريبا بحيث لم يجف البلل [ ص: 50 ] أما إذا كان بعيدا و جف البلل ثم رأى بللا يعيد الوضوء . والاستحداد حلق العانة سمي استحدادا لاستعمال الحديدة ، وهي الموسى ، وهو سنة والمراد بالعانة الشعر فوق ذكر الرجل وحواليه إلى السرة وإعفاء اللحية توفيرها والبراجم بفتح الباء والجيم جمع برجمة بضم الباء والجيم ، وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها قال بعض العلماء : ويلتحق بالبراجم ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن وقعر الصماخ فيزيله بالمسح وكذلك جميع الأوساخ ، وأما الفطرة فقد تقدم من المحقق الكمال أنها الدين ، وهو قول البعض وذهب أكثر العلماء إلى أنها السنة ، وهي في الأصل الخلقة وفي بعض هذه الخصال ما هو واجب عند بعض العلماء ولا يمتنع قرن الواجب بغيره كما قال الله تعالى : { كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده } ، فإن الإيتاء واجب والأكل ليس بواجب كذا ذكر النووي ولا يخفى ما فيه ، فإن العطف في الآية ليس نظير ما في الحديث ، فإن الفطرة إذا فسرت بالسنة يقتضي أن جميع المعدود من السنة ، فإنه إذا قيل جاء عشر من الرجال لا يجوز أن يكون فيهم من ليس منهم ، فالأولى في الفطرة تفسيرها بالدين وقد تقدم معنى وأن المبالغة فيهما سنة في الوضوء ، وكذلك في الغسل لقوله صلى الله عليه وسلم { المضمضة والاستنشاق } وهو حديث صحيح ذكره بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما النووي والصارف له عن الوجوب الاتفاق على عدمه كما نقله السراج الهندي
واعلم أن الحديث الذي ذكره في فتح القدير ، وهو { } إلخ وإن رواه تحت كل شعرة جنابة أبو داود والترمذي كما ذكره الهندي فقد ضعفه النووي ونقل ضعفه عن الشافعي ويحيى بن معين والبخاري وأبي داود وغيرهم والله أعلم ( قوله : لا دلكه ) أي لا يفترض دلك بدنه في الغسل ، وقد تقدم أنه إمرار اليد على الأعضاء المغسولة ، فلو أجزأه غسله وكذا وضوءه قال أفاض الماء فوصل إلى جميع بدنه ، ولم يمسه بيده النووي وبه قال العلماء كافة إلا مالكا فإنهما شرطاه في صحة الغسل والوضوء واحتجا بأن الغسل هو إمرار اليد ولا يقال لواقف في المطر اغتسل ونقل في فتح القدير أنه رواية عن والمزني أيضا قال وكأن وجهه خصوص صيغة اطهروا ، فإن فعل للتكثير إما في الفعل نحو حولت وطوفت أو في الفاعل نحو موت الإبل أو في المفعول نحو { أبي يوسف وغلقت الأبواب } والثاني يستدعي كثرة الفاعل فلا يقال في شاة واحدة موت والثالث كثرة المفعول فلا يقال في باب واحد غلقته .
وإن غلقه مرارا كما قيل فتعين كثرة الفعل ، وهو بالدلك ا هـ .
ولم يجب عنه والذي ذكره الشارحون هنا أن المأمور به في النص هو التطهير ، ولا يتوقف ذلك على الدلك فمن شرطه فقد زاد في النص ، وهو نسخ وذكر النووي أنه يحتج { رضي الله عنه فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك لأبي ذر } ولم يأمره بزيادة ، وهو حديث صحيح وقولهم لا تسمى الإفاضة غسلا ممنوع ا هـ . بقوله صلى الله عليه وسلم
وأما قوله في فتح القدير إن فعل للتكثير إلى قوله فتعين كثرة الفعل قد يقال إن صيغة اطهروا يجوز أن تكون من قبيل التكثير [ ص: 51 ] في المفعول وقوله إن التكثير في المفعول يستدعي كثرة المفعول مسلم فيما إذا كان الفعل لا تكثير فيه كموت الإبل أما إذا كان في الفعل تكثير فيجوز أن يكون فعل للتكثير في المفعول ، وإن كان الفاعل والمفعول واحدا كقطعت الثوب ، فإن التكثير فيه للتكثير في الفعل ، وإن كان المفعول واحدا وطهر من هذا القبيل ; لأنك تقول طهرت البدن يشهد لهذا ما ذكره المحقق العلامة أحمد الجاربردي في شرح الشافية للمحقق ابن الحاجب في التصريف بما لفظه قوله وفعل للتكثير ، وهو إما في الفعل نحو حولت وطوفت أو في الفاعل نحو موت الإبل أو في المفعول نحو غلقت الأبواب
فإن فقد ذلك لم يسغ استعماله فلذلك كان موت الشاة لشاة واحدة خطأ ; لأن هذا الفعل لا يستقيم تكثيره بالنسبة إلى الشاة إذ لا يستقيم تكثيرها وهي واحدة وليس ثم مفعول ليكون التكثير له وينبغي أن يعلم أن هذا بخلاف قولك قطعت الثوب ، فإن ذلك سائغ ، وإن كان الفاعل واحدا ذكره المصنف في شرح المفصل ثم قال فيه إن قوله في المفصل ولا يقال للواحد لم يرد به إلا ما لم يستقم فيه تكثير الفعل ا هـ .