الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( مات مريض كاتب عبده على ألفين إلى سنة وقيمته ألف ولم تجز الورثة أدى ثلثي البدل حالا والباقي إلى أجله أو رد رقيقا ) يعني المريض إذا كاتب عبده على ألفين إلى سنة وقيمته ألف درهم فمات المولى ولا مال له غيره فإنه يؤدي ثلثي الألفين حالا والباقي إلى أجله أو يرد رقيقا ، وهذا عند الإمام وأبي يوسف ، وقال محمد يؤدي ثلثي الألف حالا والباقي إلى أجله أو يرد رقيقا ; لأن للمولى أن يترك الزيادة بأن يكاتبه على قيمته فكان له أن يؤخر الزيادة وهي ألف درهم بطريق الأولى فصار كما لو خالع المريض امرأته على ألف إلى سنة جاز وإن لم يكن له مال آخر فصار كله مؤجلا كما مر في باب الخلع ولهما أن جميع المسمى بدل الرقبة حتى جرى عليه أحكام الإبدال من الأخذ بالشفعة وغيرها وحق الورثة متعلق بالمبدل كله فكذا بالبدل بخلاف الخلع ; لأن البدل فيه لا يقابل المال وإن لم تتعلق الورثة بالمبدل فكذا لا تتعلق بالبدل وحاصله أن المحاباة بالأجل فيعتبر في جميع الثمن وصية من الثلث عندهما ، وعنده الأجل فيما زاد على القيمة يصح من رأس المال ويعتبر في قدر القيمة من الثلث قيدنا وقيمته ألف ; لأنه لو كان بالعكس ففي العتابية وإن كاتبه على ألف إلى سنة وقيمته ألفان ولم تجز الورثة أدى ثلث القيمة حالا أو رد رقيقا في قولهم جميعا ; لأن المحاباة في القدر وهو إسقاط ألف درهم والتأخير وهو تأجيله الألف فلم يصح تصرفه في ثلثي القيمة لا في الإسقاط ولا في حق التأخير ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط مريض كاتب عبده على قدر قيمته فمات ولا مال غيره يقال عجل لي ثلثي البدل والثلث مؤجلا كما هو فإن لم يفعل يرد في الرق وفيه أيضا لو كاتب عبده في الصحة ، ثم أقر في مرضه باستيفاء بدلها صدق ; لأن حق الورثة لم يكن متعلقا بالعقد فصح إقراره بالاستيفاء كما لو باع أجنبيا في الصحة ، ثم أقر باستيفاء الثمن في المرض ، ولو كان عليه دين محيط لم يقبل في شيء ويعتق العبد بزعمه ويؤخذ بالكتابة ، ولو قال إن مت فكاتبوا هذا العبد تصح الوصية ; لأنه يملك عتقه فيملك الإيصاء ومن كاتب عبده في مرضه ولا مال له غيره فأجازه الورثة في حياتهم فلهم الإبقاء بعد موته ، ولو كاتب عبده في صحته على ألف وقيمته خمسمائة فأعتقه عند الموت ولم يقبض شيئا حتى مات سعى في ثلثي قيمته عند هما وتبطل الكتابة ، وقال الإمام يسعى في ثلثي قيمته وإن شاء سعى في ثلثي ما عليه من الكتابة فإن قبض المولى خمسمائة ، ثم أعتقه في مرضه فإن كان المقبوض هالكا لم يحسب له شيء مما أدى وصار مال الكتابة ما بقي فيسعى في ثلثي كتابته ; لأن ثلثي كتابته وثلثي ما بقي من كتابته سواء ، وعندهما يسعى في ثلث قيمته ، ولو أدى المكاتب المائة ، ثم أعتقه في مرضه سعى في ثلثي المائة بالإجماع ا هـ .

                                                                                        وفي شرح الطحاوي من أعتق مكاتبه وهو مريض ينظر إن كان يخرج من الثلث عتق مجانا وإن كان لا يخرج من الثلث ولم تجز الورثة ينظر إلى ثلثي قيمته وإلى ثلثي بدل الكتابة وله الخيار يسعى في أيهما شاء عند الإمام وظاهر قوله عنده أن ملكه كامل له وإنما باشر العقد بنفسه ليحترز عما إذا كان بين صحيح ومريض قال في المحيط وإن كان العبد بين رجلين مرض أحدهما وكاتبه الصحيح بإذنه جاز وليس للوارث إبطاله ، وكذا إذا أذن له في القبض وقبض بدل الكتابة ، ثم مات المريض لم يكن [ ص: 62 ] للوارث أن يأخذ منه شيئا وفي الجامع مكاتب أقر لمولاه في صحته بألف درهم ، وقد كان المولى كاتبه على ألف وأقر المكاتب في صحته لأجنبي بألف درهم فمرض المكاتب وفي يده ألف فقضاها المولى من المكاتب فمات من ذلك المرض وليس له مال غيرها فالألف تقسم بين المولى والأجنبي على ثلاثة أسهم سهمان للمولى وسهم للأجنبي .

                                                                                        ولو أن المكاتب أدى الألف إلى المولى من الدين الذي أقر به ، ثم مات فالأجنبي أحق بهذه الألف وبطل دين المولى ومكاتبته وإن مات عن غير وفاء فرد في الرق ومات على ملك المولى ويبطل دين المولى وكتابته ، ولو لم يقبض المولى الألف ومات وتركها فهي للأجنبي ، ولو ترك المكاتب ابنا ولد له في الكتابة فالأجنبي أحق بهذه الألف أيضا ويبيع المولى ابن المكاتب بالدين والكتابة ، وإذا أدى الابن الكتابة والدين لا ينقض القضاء للأجنبي ، ولو أن رجلا كاتب عبده على ألف درهم في صحته وأقرضه أجنبي ألف درهم ، ثم مرض المكاتب وأقرضه المولى ألف درهم بمعاينة الشهود فسرقت من المكاتب وفي يد المكا تب ألف درهم أخرى فقضاها المولى فالمولى أحق بها من الأجنبي بخلاف ما لو اشترى المكاتب في مرضه عبدا من المولى بألف درهم ولرجل أجنبي على المكاتب ألف فهلك العبد وفي يد المكاتب ألف درهم لا غير فقضاها المولى من ثمن العبد فمات المكاتب من مرضه ذلك ولم يترك وفاء فما قبض المولى من ثمن العبد لا يسلم للمولى وإن كان البيع وقبض الثمن بمعاينة الشهود فيسترد الألف ويدفع إلى الأجنبي والفرق أن صورة القرض المماثلة ظاهرة فيقدم المولى ولم تظهر في صورة البيع فقدم الأجنبي فتأمل وفيه أيضا كاتب عبده على ألفين وله ابنان حران وهما وارثاه فمرض المكاتب وأقر لأحد الابنين بألف درهم وأقر للمولى بدين ألف درهم فمات وترك ألفي درهم فالمولى أحق بالألفين يستوفي أحدهما من الكتابة والأخرى من الدين فإن ترك أقل من الألفين يبدأ بدين الابن ا هـ .

                                                                                        والفرق هو أنه إذا ترك ألفين أمكن تصوره بعد موته حرا نظرا إلى صورة المؤدى وإن اختلف بوجه الدفع فقدم المولى ; لأنه عقد الكتابة على صورة ألفين بخلاف ما إذا ترك الأقل لم يمكن ذلك فقدم الابن فتأمل قال رحمه الله ( وإن كاتبه على ألف إلى سنة وقيمته ألفان ولم تجز الورثة أدى ثلثي القيمة حالا وإلا رد رقيقا ) ، وهذا بالإجماع ، وقد تقدم بيانه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية