الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( أمة بينهما كاتباها فوطئها أحدهما فولدت فادعاه ، ثم وطئ الآخر فولدت فادعاه فعجزت فهي أم ولد للأول ويغرم لشريكه نصف قيمتها ونصف عقرها وضمن شريكه عقرها وقيمة الولد وهو ابنه ) ، وهذا قول الإمام ، وعندهما هي أم ولد للأول وهي مكاتبته كلها وعليه نصف قيمتها لشريكه عند الثاني ، وعند الثالث الأقل من نصف القيمة ومن نصف ما بقي من بدل الكتابة ولا يثبت نسب الولد الآخر من الآخر ولا يكون له الولد بالقيمة ويغرم العقر لها ، وهذا الاختلاف مبني على تجزؤ الاستيلاد في المكاتبة فعنده يتجزأ ، وعندهما لا يتجزأ واستيلاد القنة لا يتجزأ بالإجماع واستيلاد المدبرة يتجزأ بالإجماع فإذا عرف هذا فنقول عنده إذا ادعى أحدهما الولد صحت دعوته في نصيبه وهي تكفي لصحة الاستيلاد وصار نصيب أم ولده له ولم يتملك نصيب صاحبه فيبقى نصيب الآخر مكاتبا على حاله ، وقالا يتملك نصيب صاحبه وصارت كلها أم ولد له ; لأن الاستيلاد يجب تكميله ما أمكن لكونه قابلا للنقل .

                                                                                        وقد أمكن هنا كما في الأمة المشتركة ; لأن الكتابة تحتمل الفسخ والاستيلاد لا يحتمل فرجحنا الاستيلاد فكملناه وفسخنا الكتابة في حق التمليك والكتابة تنفسخ فيما لا يتضرر به المكاتب وتبقى فيما وراءه لهذا جاز عتقه في الكفارة بخلاف ما إذا استولد مدبرة مشتركة فإنه لا يكمل ويقتصر على نصيبه ; لأنه لا يملك تمليكها إذ التدبير يمنع النقل وللإمام أن الاستيلاد يقبل التجزؤ إذا وقع في محل لا يقبل النقل كالمدبرة بين اثنين إذا استولدها أحدهما فإنه يتجزأ ويقتضي الاستيلاد على نصيبه والكتابة عقد لازم كالتدبير فإذا جاءت بولد بعد ذلك وادعاه الآخر ادعاء نسب وولد به له نصفها فتصح دعوته ويثبت نسبه منه فإذا عجزت بعد ذلك جعل كأن الكتابة لم تكن وتبين به أن الأمة كلها أم ولد للأول ; لأن المقتضي للتكميل قائم والمانع من التكميل الكتابة ، وقد زالت فيعمل المقتضي عمله من وقت وجوده فيضمن للآخر نصف قيمتها ; لأنه يتملك نصيبه لتكميل الاستيلاد ونصف عقرها وضمن الآخر قيمة الولد والولد حر بالقيمة لكونه وطئ أمة الغير فلزمه كمال العقر قال في العناية ينبغي أن لا يضمن شريكه قيمة الولد عند الإمام ; لأن حكم الولد حكم أمه ولا قيمة لأم الولد عنده فكذا لابنها وأجيب بأن هذا على قولهما أما على قول الإمام ، فليس عليه ضمان قيمة الولد وليس هذا الجواب بشيء ا هـ .

                                                                                        ولا يخفى أن قوله فكاتباها ليس بقيد احترازي ; لأنه لو كاتبها أحدهما فولدت فادعاه فالحكم كذلك عند هما قال في المحيط ، ولو كاتب نصيبه بغير إذن شريكه ، ثم علقت منه فهي أم ولد له وهي مكاتبة على حالها عندهما ; لأن كلها صارت أم ولد له ويتملك نصيب شريكه بالضمان ; لأن الكتابة لا تتجزأ عندهما فيضمن نصف قيمتها أو نصف عقرها لشريكه ونصف عقرها لها واختلف على قول الإمام قيل لا يصير الكل أم ولد ; لأن الاستيلاد لم يفد حق العتق في نصيب المستولد للحال فلا يضمن شيئا لشريكه ويضمن جميع العقر للمكاتبة ، وقيل يصير الكل أم ولد له ; لأن الاستيلاد في نصيبه عامل للحال لقيام ملكه فيه فيمتلكه المستولد فيضمن نصف قيمتها ونصف العقر لشريكه ونصفه للمكاتبة ، ولو وطئها الذي لم يكاتب فعلقت به فهي أم ولده والمكاتبة جائزة ولا يتملك نصيب المكاتب بالاستيلاد عنده ، وقيل ينبغي أن تنفسخ الكتابة بنفس الاستيلاد ، وعندهما يتملك نصيب صاحبه مكاتبة ; لأن كلها صار مكاتبا بكتابة الأول وصارت كلها أم ولد ، ولو كاتبها بغير إذن شريكه واكتسبت مالا وأدت فعتقت ، ثم اكتسبت مالا ، ثم حضر غير المكاتب فله نصف كسبها قبل أداء البدل وكسبها بعد الأداء لها ، وعندهما هي حرة فيكون لها وتأخذ نصف المؤدى من المكاتب .

                                                                                        ولو ولدت المكاتبة بنتا فولدت البنت ولدا فادعاه أحدهما صح الاستيلاد منه فإن عجزت المكاتبة صارت البنت أم الولد للواطئ ويضمن لشريكه نصف قيمتها يوم علقت ; لأن بعجز الأم صارت قنة فيمتلكها المستولد من وقت العلوق فإن لم تعجز [ ص: 67 ] وأعتق الشريك الآخر البنت بعد العلوق صح ولا سعاية عليها وولدها حر عند الإمام ، وعندهما إن أدت البنت عتقت ولا ضمان ولا سعاية وإن عجزت البنت فالأم فالبنت كأم الولد بين شريكين أعتقها أحدهما مكاتبة بينهما ولدت فأعتق أحدهما الولد عتق نصيبه وإن أعتق الأم عتق نصفه الآخر تبعا للأم وإن عجزت فلشريكه في الولد الخيارات الثلاث مكاتبة بينهما ولدت بنتا فعلقت منهما ، ثم ماتا عتقت البنت وحدها والأم مكاتبة على حالها ، ولو كانت الأم هي التي ولدت منهما فماتا عتقت وعتق ولدها وإن عجزت ، ثم ولدت منهما فالولد الأول رقيق ; لأن الكتابة انفسخت بالعجز في حقهما وصارا قنين ، ثم صارت أم ولد والأول منفصل فلا يسري حق الحرية ا هـ .

                                                                                        قال رحمه الله ( وأي دفع العقر إلى المكاتبة صح ) يعني وأي دفع العقر إلى المكاتبة جاز ; لأنه حقها حال قيام الكتابة فإذا عجزت ترده إلى المولى قال في العناية يعني إذا دفع قبل العجز ، وهذا قول الإمام ، وعندهما صارت أم ولد للأول ولزمه كل المهر ; لأن الوطء في دار الإسلام لا يخلو عن الضمان الجائز أو الحد الزاجر وانتفى الحد للشبهة فيجب العقر ، ولو عجزت فردت في الرق ترد إلى المولى لظهور اختصاصه بها ا هـ .

                                                                                        وفي المبسوط كاتب جاريته ، ثم مات عن ابنين فاستولدها أحدهما فهي بالخيار إن شاءت عجزت نفسها وهي أم ولد له ويضمن نصف قيمتها ونصف عقرها لشريكه وإن شاءت مضت على كتابتها وأخذت عقرها وسقط الحد لشبهة حق الملك قال رحمه الله ( وإن دبر الثاني ولم يطأها فعجزت بطل التدبير وهي أم ولد للأول ) ، وهذا بالإجماع أما عندهما ; فلأن المستولد يملكها قبل العجز ، وأما عنده ; فلأنه بالعجز ظهر أن كلها أم ولد للأول وأنه لم يكن له فيها ملك كما مر والملك شرط لصحة التدبير بخلاف ثبوت النسب ; لأن الملك من حيث الظاهر كاف ولهذا لو اشترى أمة فدبرها ، ثم استحقت بطل التدبير ، ولو استولدها فاستحقت لم يبطل وكان الولد حرا بقيمته فكذا هنا وهي أم ولد للأول ; لأنه يملك نصيب شريكه ويكمل الاستيلاد للإمكان قال رحمه الله ( وضمن لشريكه نصف قيمتها ) ; لأنه يملك نصفها بالاستيلاد على ما بينا قبل ذلك قال رحمه الله ( ونصف عقرها ) ; لأنه وطئ جارية مشتركة بينهما فيجب عليه العقر بحسابه

                                                                                        . وقد بيناه من قبل قال رحمه الله ( والولد للأول ) ; لأن دعواه قد صحت على ما مر ، وهذا بالإجماع ، وهذا متكرر مع قوله وهي أم ولد وأجيب بأن ذلك في ذات الأمة ، وهذا في الأولاد فلا تكرار واعترض باختلاف الموضوع بأن هذا يوهم أن الثاني وطئ وادعى والموضوع خلافه فلو قال وتم الاستيلاد للأول لسلم قال رحمه الله ( وإن كاتباها فحررها أحدهما موسرا فعجزت ضمن لشريكه نصف قيمتها ورجع به عليها ) ، وهذا عند أبي حنيفة ، وقالا لا يرجع المعتق عليها ويستسعيها الساكت إن كان المعتق معسرا والأصل في هذا أن الإعتاق لا يتجزأ عندهما والكتابة لا تمنع العتق فعتقت كلها للحال وانفسخت الكتابة فالحكم عندهما ما تقدم ومن أصل الإمام أن العتق عنده يتجزأ فجاز إعتاق النصف فلا يؤثر الفساد في نصيب الساكت فلا يضمن العتق قبل العجز لعدم ظهور أثر الإعتاق فيها فإذا عجزت ظهر أثر العتق وكان للساكت الخيارات المذكورة في العتق وهي إن كان موسرا فله أن يعتق أو يستسعى أو الضمان فإذا ضمن كان للمعتق أن يرجع على العبد وإن كان المعتق معسرا كان له خيار العتق أو الاستسعاء على ما بينا في العتق وعلى هذا الخلاف لو دبرها أو استولدها فإذا عجزت ظهر أثرهما فيضمن قيمتها موسرا كان أو معسرا ; لأن هذا ضمان تملك ، وعندهما لا يتجزآن فصارت كلها أم الولد أو مدبرة ويضمن لشريكه نصف قيمتها في الحال موسرا كان أو معسرا ; لأنه ضمان تملك فلا يختلف بين اليسار والإعسار ويضمن العقر في الاستيلاد .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية