الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله تعالى ( عبد لهما دبره أحدهما ، ثم حرره الآخر موسرا للمدبر أن يضمن المعتق نصف قيمته ) ، وهذا عند الإمام ووجهه أن التدبير يتجزأ عنده فيقتصر التدبير على نصيب المدبر لكن يفسد به نصيب الآخر فيثبت خيار التضمين أو الإعتاق أو الاستسعاء على ما عرف من مذهبه فإذا أعتق لم يبق له خيار التضمين والاستسعاء فيقتصر على نصيبه ; لأنه يتجزأ عنده لكن يفسد نصيب الآخر فله أن يضمنه نصيبه وله خيار العتق والاستسعاء فإذا ضمنه يضمنه قيمة نصيبه مدبرا ، وقد عرف قيمة المدبر في بابه ، وإذا ضمنه لا يتملكه بالضمان ; لأنه لا يقبل النقل من ملك إلى ملك كما إذا غصب مدبرا وأبق [ ص: 68 ] وضمن الغاصب قيمته فإنه لا يتملكه كذا هذا قيد بقوله ، ثم حرره الآخر فعلم أنه قن ; لأنه لو لم يكن قنا قال في المحيط مكاتب بين رجلين دبر أحدهما صار الكل مدبرا له وهو مكاتب له عندهما ويتملكه بالقيمة للشريك موسرا كان أو معسرا ; لأن التدبير لا يتجزأ عندهما فتدبيره لا في نصيب شريكه فإذا تملكه يتملك بضمان القيمة وضمان القيمة لا يختلف باختلاف اليسار والإعسار واختلفوا أنه يضمن قيمته مكاتبا أو قنا قيل يغرم نصف قيمته قنا ; لأنه تنفسخ الكتابة في نصيب شريكه ; لأن فسخ الكتابة لا يتجزأ .

                                                                                        وقيل يضمن قيمته مكاتبا ; لأن الفسخ إنما لا يحتمل التجزؤ لضرورة تضاد الأحكام في محل واحد وذلك لا يوجد هنا فإن الكل قد صار مدبرا من جهة المدبر ، وعند أبي حنيفة التدبير يتجزأ فيصير نصفه مدبرا فقد اجتمع في النصف سببا الحرية الكتابة والتدبير وفي النصف سبب واحد وهو الكتابة فإذا أدى عتق فإن مات المدبر عتق ، وعندهما في الكل اجتمعا سببا الحرية الكتابة والتدبير ; لأن من قال تنفسخ يقول بالفسخ في حق التملك لضرورة صحة التدبير فلا يظهر الفسخ في حق حكم آخر وهو العتق بأداء بدل الكتابة ولا يخفى أن هذه المسألة تتكرر مع قوله عبد لموسرين دبر أحدهما وحرر الآخر ومثل هذا لا يليق بهذا المختصر وأيضا محل هذه المسائل باب العتق فتدبره وفي المحيط أنت تكاتب بألف يا فلان ويا فلان فالكتابة والقبول للأول ، ولو قال أنت تكاتب يا فلان وفلان بألف فالكتابة والقبول للثاني قال رحمه الله ( وإن حرره أحدهما ، ثم دبره الآخر لا يضمن المعتق ) ; لأن المدبر كان له الخيارات السابقة فإذا دبره لم يبق له خيار التضمين وبقي خيار العتق والاستسعاء ، وهذا عند الإمام ، وعندهما تدبير الثاني باطل ; لأن الإعتاق لا يتجزأ عندهما فيعتق كله فلم يصادف التدبير الملك ويضمن قيمته إن كان موسرا ; لأن هذا ضمان إعتاق فيختلف بين اليسار والإعسار والله تعالى أعلم .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية