الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ويصف الرجال ثم الصبيان ثم النساء ) لقوله عليه الصلاة والسلام { ليليني منكم أولو الأحلام والنهى } ولأن المحاذاة مفسدة فيؤخرون ، وليلني أمر الغائب من الولي وهو القرب ، والأحلام جمع حلم بضم الحاء وهو ما يراه النائم أريد به البالغون مجازا ; لأن الحلم سبب البلوغ ، والنهى جمع نهية وهي العقل كذا في غاية البيان ولم يذكر الخناثى كما في المجمع وغيره لندرة وجوده ، وذكر الإسبيجابي أنه يقوم الرجال صفا مما يلي الإمام ثم الصبيان بعدهم ثم الخناثى ثم الإناث ثم الصبيات المراهقات ، وفي شرح منية المصلي المذكور في عامة الكتب أربعة أقسام . قيل وليس هذا الترتيب لهذه الأقسام بحاصر لجملة الأقسام الممكنة فإنها تنتهي إلى اثني عشر قسما والترتيب الحاصر لها أن يقدم الأحرار البالغون ، ثم الأحرار الصبيان ، ثم العبيد البالغون ، ثم العبيد الصبيان ، ثم الأحرار الخناثى الكبار ، ثم الأحرار الخناثى الصغار ، ثم الأرقاء الخناثى الكبار ، ثم الأرقاء الخناثى الصغار ، ثم الحرائر الكبار ، ثم الحرائر الصغار ، ثم الإماء الكبار ، ثم الإماء الصغار ا هـ .

                                                                                        وظاهر كلامهم متونا وشروحا تقديم الرجال على الصبيان مطلقا سواء كانوا أحرارا أو عبيدا فإن الصبي الحر وإن كان له شرف الحرية لكن المطلوب هنا قرب البالغ العاقل بالحديث السابق نعم يقدم البالغ الحر على البالغ العبد ، والصبي الحر على الصبي العبد والحرة البالغة على الأمة البالغة والصبية الحرة على الصبية الأمة لشرف الحرية من غير معارض ولم أر صريحا حكم ما إذا صلى ومعه رجل وصبي ، وإن كان داخلا تحت قوله والاثنان خلفه وظاهر حديث أنس أنه يسوي بين الرجل والصبي ويكونان خلفه فإنه قال فصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا ويقتضي أيضا أن الصبي الواحد لا يكون منفردا عن [ ص: 375 ] صف الرجال بل يدخل في صفهم وأن محل هذا الترتيب إنما هو عند حضور جمع من الرجال وجمع من الصبيان فحينئذ تؤخر الصبيان بخلاف المرأة الواحدة فإنها تتأخر عن الصفوف كجماعتهن ، وينبغي للقوم إذا قاموا إلى الصلاة أن يتراصوا ويسدوا الخلل ويسووا بين مناكبهم في الصفوف ولا بأس أن يأمرهم الإمام بذلك وينبغي أن يكملوا ما يلي الإمام من الصفوف ، ثم ما يلي ما يليه وهلم جرا وإذا استوى جانبا الإمام فإنه يقوم الجائي عن يمينه ، وإن ترجح اليمين فإنه يقوم عن يساره

                                                                                        وإن وجد في الصف فرجة سدها وإلا فينتظر حتى يجيء آخر كما قدمناه ، وفي فتح القدير وروى أبو داود والإمام أحمد عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال { أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله } .

                                                                                        وروى البزار بإسناد حسن عنه صلى الله عليه وسلم { من سد فرجة في الصف غفر له } .

                                                                                        وفي أبي داود عنه صلى الله عليه وسلم قال { خياركم ألينكم مناكب في الصلاة } وبهذا يعلم جهل من يستمسك عند دخول داخل بجنبه في الصف ويظن أن فسحه له رياء بسبب أنه يتحرك لأجله بل ذلك إعانة له على إدراك الفضيلة وإقامة لسد الفرجات المأمور بها في الصف والأحاديث في هذا كثيرة شهيرة ا هـ وفي القنية والقيام في الصف الأول أفضل من الثاني ، وفي الثاني أفضل من الثالث هكذا ; لأنه روي في الأخبار أن الله تعالى إذا أنزل الرحمة على الجماعة ينزلها أولا على الإمام ، ثم تتجاوز عنه إلى من بحذائه في الصف الأول ، ثم إلى الميامن ، ثم إلى المياسر ، ثم إلى الصف الثاني وروي عنه عليه السلام أنه قال { يكتب للذي خلف الإمام بحذائه مائة صلاة وللذي في الجانب الأيمن خمسة وسبعون صلاة وللذي في الجانب الأيسر خمسون صلاة وللذي في سائر الصفوف خمسة وعشرون صلاة } . وجد في الصف الأول فرجة دون الثاني فله أن يصلي في الصف الأول ويخرق الثاني ; لأنه لا حرمة له لتقصيرهم حيث لم يسدوا الصف الأول . ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله ليلني إلخ ) قال الرملي [ ص: 375 ] يجوز إثبات الياء مع فتحها وتشديد النون ، وحذف الياء مع كسر اللام وتخفيف النون وانظر لما كتبنا في حاشيتنا على العيني .

                                                                                        ( قوله والقيام في الصف الأول أفضل من الثاني إلخ ) قال في النهر . واعلم أن الشافعية ذكروا أن الإيثار بالقرب مكروه كما لو كان في الأول فلما أقيمت آثر غيره وقواعدنا لا تأباه لما قد علمت ا هـ .

                                                                                        قلت ذكر المؤلف هذه القاعدة في كتابه الأشباه والنظائر ، وقال لم أرها الآن لأصحابنا ونقل فروعا عن الشافعية قال ثم رأيت في الهبة من منية المفتي فقير محتاج معه دراهم فأراد أن يؤثر الفقراء على نفسه إن علم أنه يصبر على الشدة فالإيثار أفضل وإلا فالإنفاق على نفسه أفضل ا هـ .

                                                                                        وفي حاشيتها للسيد الحموي عن المضمرات نقلا عن النصاب وإن سبق أحد بالدخول إلى المسجد مكانه في الصف الأول فدخل رجل أكبر منه سنا أو أهل علم ينبغي أن يتأخر ويقدمه تعظيما له ا هـ .

                                                                                        قال فهذا مفيد لجواز الإيثار في القرب عملا بعموم قوله تعالى { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } إلا إذا قام دليل تخصيص .




                                                                                        الخدمات العلمية