الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وللجدات وإن كثرن السدس إن لم يتخلل جد فاسد في نسبتها إلى الميت ) قال في الأصل والكلام في الجدات في مواضع في ترتيبهن ومعرفة الصحيحة من الفاسدة منهن وفي قدر ميراثهن وفيما يسقطن به فالأول كل شخص له جدتان أم أم وأم أب ولأبيه وأمه كذلك وهكذا إلى كل واحد من الأصول إلى أن ينتهي إلى آدم وحواء عليهما السلام فالصحيحة منهن من لا يتخلل في نسبتها إلى الميت ذكر بين أنثيين والفاسدة من تخلل في نسبتها ذكر وذلك جد فاسد فمن يدلي به يكون فاسدا ذكرا كان أو أنثى وعند سعد بن أبي وقاص الفاسدة من تدلي بذكر مطلقا وإذا أردت تنزيل كل عدد من الجدات الوارثات المتحاذيات فاذكر أولا لفظة أم أم بمقدار العدد الذي تريده ، ثم تقول ثانيا أم أم تجعل مكان الأم الأخيرة أبا ، ثم في كل مرة تبدل مكان الأم أبا على الأول إلى أن تبقى لفظة أم مرة مثاله إذا سئلت عن أربع جدات وارثات متحاذيات فقيل أم أم أم أم بقدر عددهن لفظة أم مرة لإثبات الدرجة التي تتصور أن يجتمعن فيها فإنه لا يتصور أن يجتمعن فيها إلا إذا ارتفعن قدر عددهن من الدرجات فأربع جدات وارثات لا يتصور اجتماعهن إلا في الدرجة الرابعة فتقول أم أم أم أم أربع مرات فهذه واحدة منهن وهي من جهة الأم ولا يتصور من جهتها وارث أكثر من واحدة .

                                                                                        ثم يأتي بواحدة أخرى من جهة الأب في درجتها فتقول أم أم أم أب ، ثم تأتي بأخرى من جهة الجد فتقول أم أم أب الأب ، ثم تأتي أخرى من جهة جد الأب فتقول أم أب الأب ولا يتصور أن يجتمع الوارثات في هذه الدرجة أكثر من ذلك ; لأن لكل جد صحيح له أم وارثة وكذا أم أمه ، وإن علت ولا يتصور أن يكون جدة وارثة من كل أب إلا واحدة فيحتاج إلى أن يأتي من الأباء قدرهن عددا إلا واحدة وهي التي من جهة الأم فإنها تدلي بذكر والثانية تدلي بالأب فلهذا حذفت في النسبة الثانية أما واحدة وأبدلت مكانها أبا ، والجدة الثالثة تدلي بالجد فلهذا أسقطت اثنين وأبدلت مكانهما أبوين والرابعة تدلي بجد الأب فلهذا سقطت أمهات وأبدلت مكانهن ثلاثة آباء فهذه طريقة في أكثر منهن إلى ما لا يتناهى هذه معرفة الصحيحة ، وإذا أردت أن تعرف ما يقابل الصحيحات من الفاسدات فخذ عدد الصحيحات واجعله في يمينك واطرح منه اثنين واجعلها بيسارك بعدد ما بقي في يمينك فالمبلغ عدد الجدات الصحيحات والفاسدات جميعا فإذا سقطت منه عدد الصحيحات فالباقيات هي الفاسدات ، مثاله إذا سئلت عن أربع جدات صحيحات كم بإزائهن من الفاسدات فخذ أربعة يمينك واطرح منها اثنين فخذها يسارك فإذا ضعفت هذا المطروح بعدد ما بقي في يمينك صار ثمانية وهو عدد مبلغ الجدات أجمع في هذه الجدة فإذا أسقطت عدد الصحيحات وهن أربع بقيت أربعة وهن الفاسدات وميراثهن السدس . وإن كثرن يشتركن فيه لما روى عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { قضى بين الجدتين إذا اجتمعتا بالسدس بالسوية } وأبو بكر الصديق رضي الله عنه أشرك بين الجدتين في السدس وسيذكر ما يسقطن به .

                                                                                        وفي الظهيرية فاعلم أنه لا بد لكل واحد من بني آدم سوى عيسى عليه السلام أن يكون له جدتان أحدهما [ ص: 562 ] من قبل الأم وهي أم الأم والأخرى من قبل الأب وهي أم الأب يجب أن يعلم بأن الجدات طبقتان طبقة هي من جملة أصحاب الفرائض يعرفن بالثابتات وطبقة وهي من جملة ذوي الأرحام يعرفن بالساقطات ، فالحاصل إذا كان لميت أم الأب وأم أم الأم والأب حي فعند بعض المشايخ لا شيء لواحدة منهن ; لأن أم أم الأم تصير محجوبة بأم الأب وأم الأب تصير محجوبة بالأب ، وعند بعض المشايخ ترث الجدة من قبل الأم وفريضة الواحدة منهن السدس بينهن بالسوية وهذا قول عامة الصحابة ، وفي المضمرات الجدة الواحدة والجدات فصاعدا السدس لا يزاد عليه إلا عند الرد ولا ينقص إلا عند العول والجدات ست ثنتان لك وثنتان لأمك وثنتان لأبيك والكل وارثات إلا واحدة وهي أم أب قال رحمه الله ( وذات جهة كذات جهتين ) يعني الجدة إذا كانت من جهة واحدة والأخرى لها جهتان فهما سواء في الميراث قال في الأصل ، وإن كانت للميت جدة من جهة واحدة وجدة من جهتين أو ثلاث جهات ، قال أبو يوسف لا عبرة لكثرة الجهات والسدس بينهن بالسوية ، وقال محمد لكثرة الجهات عبرة والسدس بينهن على عدد الجهات وصورتها من جهتين امرأة زوجت ابنة ابنها من ابن ابنها فولد بينهما غلام فهذه المرأة لهذا الغلام جدة من جهتين فإنها أم أم أم هذا الغلام وأم أب أب هذا الغلام فلو مات هذا الغلام وترك هذه الجدة وجدة أخرى من جهة الأب فهي أم أم أبيه .

                                                                                        قال أبو يوسف السدس بينهما بالسوية وقال محمد السدس بينهما أثلاثا ثلثاه لذات الجهتين وثلثه لذات الجهة الواحدة وصورتها من الجهات الثلاثة هذه المرأة المزوجة زوجت بنت بنت بنت لأخرى من هذا الغلام المولود فولد بينهما غلام فإن هذه الزوجة لهذا الغلام المولود الثاني من ثلاث جهات من جهة هي أم أم أم أمه وهي من جهة هي أم أم أم أبيه ومن جهة أم أب أب أبيه فلو مات هذا الغلام وترك هذه الجدة وجدة أخرى من قبل الأب وهي أم أم أب الأب فعلى قول أبي يوسف أن السدس بينهن بالسوية وعلى قول محمد على أربعة أسهم : ثلاثة أسهم للجدة هذه وسهم واحد للجدة الأخرى قال رحمه الله ( والبعدى تحجب بالقربى ) سواء كانا من جهة واحدة أو من جهتين وسواء كانت القربى وراثة أو محجوبة بالأب أو بالجد وفي رواية عن ابن مسعود لا تحجب الجدات إلا الأم وفي رواية عنه وعن زيد بن ثابت أن القربى إذا كانت من جهة الأب لا تحجب البعدى من جهة الأم وبالعكس تحجب ; لأن الجدات يرثن بولادة الأبوين فوجب أن تعطي كل واحد منهن حكم من تدلى به والأب لا يحجب الجدات من قبل الأم فكذا أمه والأم تحجب كل واحدة هي أبعد منها فكذا أمها ولنا أن الجدات يرثن باعتبار الولاد فوجب أن يقدم الأدنى على البعدى كالأب الأدنى مع الأب الأبعد وليس كل حكم ثبت بواسطة يثبت لمن تدلي به .

                                                                                        ألا ترى أن أم الأم لا يزيد إرثها على السدس وتحجب بالأم والأب بخلاف ذلك قال رحمه الله ( والكل بالأم ) أي يحجب الجدات كلهن بالأم والمراد إذا كانت الأم وارثة وعليه الإجماع والمعنى فيه أن الجدات إنما يرثن بطريق الولادة والأم أبلغ حالا منهن في ذلك فلا يرثن معها ولأنها أصل في قرابة الجدة التي من قبلها إلى الميت وتدلي بها فلا ترث مع وجودها لما عرف في باب الحجب فإذا حجبت التي من قبلها كانت أولى أن تحجب التي من قبل الأب ; لأنها أضعف حالا منها ولهذا تؤخر في الحضانة فتحجب بها وكذا الأبويات منهن يحجبهن بالأب إذا كان وارثا روي عن عثمان وعلي والزبير وسعد وزيد بن ثابت رضي الله عنهم وبه أخذ جمهور العلماء ، وروي عن عمر وابن مسعود وعمران بن الحصين وأبي موسى الأشعري وأبي الطفيل عامر بن واثلة أنهم جعلوا لها السدس مع الأب وبه أخذ طائفة من أهل العلم من التابعين لما روي أنه عليه الصلاة والسلام { ورث جدة وابنها حي } ولأنها ترث ميراث الأم فلا يحجبها الأب كما لا يحجب الأم وكما لا يحجب الجد ولأنها ترث بطريق الفرض فلا تكون العصوبة حاجبة لها كما لا يحجبها عم الميت الذي هو ابنها قلنا إن أم الأب تدلي بالأب فلا ترث مع وجوده كبنت الابن مع الابن ولا حجة لهم في الحديث ; لأنه حكاية حال فيحمل أن ذلك الأب كان عما للميت لا أبا ولا نسلم أنها ترث ميراث الأم بل ميراث الأب ; لأن له السدس فرضا فترث ذلك عند عدمه ولئن كان ميراث الأم لا يلزم منه عدم الحجب بغيره ، ألا ترى أن بنات الابن يرثن ومع هذا يحجبن بالأبوين وكذا الجد يحجب أبويه لما ذكرنا إلا أم الأب فإنها لا يحجبها ، وإن علت [ ص: 563 ] لأن إرثها ليس من قبله وكذا كل جدة لا تحجب الجدة التي ليست من قبلها فصارت الجدة لها حالتان السدس والسقوط .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية