( قوله : عليهما ) أي وفرض الغسل عند غيبوبة ما فوق الختان ، وكذلك غيبوبة مقدار الحشفة من مقطوعها في قبل امرأة يجامع مثلها أو دبر على الفاعل والمفعول به ، وإن لم ينزل والتعبير بغيبوبة الحشفة أولى من التعبير بالتفاء الختانين لتناوله الإيلاج في الدبر ; ولأن الثابت في الفرج محاذاتهما لا التقاؤهما ; لأن ختان الرجل هو موضع القطع ، وهو ما دون مؤخرة الحشفة وختان المرأة موضع قطع جلدة منها كعرف الديك فوق الفرج وذلك ; لأن مدخل الذكر هو مخرج المني والولد والحيض وفوق مدخل الذكر مخرج البول كإحليل الرجل وبينهما جلدة رقيقة يقطع منها في الختان فحصل أن ختان المرأة متسفل تحت مخرج البول وتحت مخرج البول مدخل الذكر فإذا غابت الحشفة في الفرج فقد حاذى ختانه ختانها ولكن يقال لموضع ختان المرأة الخفاض فذكر الختانين بطريق التغليب قيد بالتواري ; لأن مجرد التلاقي لا يوجب الغسل ولكن ينقض الوضوء على الخلاف المتقدم وقيدنا بكونه في قبل امرأة ; لأن وتواري حشفة في قبل أو دبر لا يوجب الغسل إلا بالإنزال وقيدنا بكونها يجامع مثلها ; لأن التواري في فرج البهيمة لا يوجب الغسل إلا بالإنزال وقد تقدم الدليل من السنة والإجماع على وجوب التواري في الميتة والصغيرة ، وهو بعمومه يشمل الصغيرة والبهيمة ، وإليه ذهب الغسل بالإيلاج وإن لم يكن معه إنزال لكن أصحابنا رضي الله عنهم منعوه إلا أن ينزل ; لأن وصف الجنابة متوقف على خروج المني ظاهرا أو حكما عند كمال سببه مع خفاء خروجه لقلته وتكسله في المجرى لضعف الدفق بعدم بلوغ الشهوة منتهاها كما يجده المجامع في أثناء الجماع من اللذة بمقاربة المزايلة فيجب حينئذ إقامة السبب مقامه ، وهذا علة كون الإيلاج فيه الغسل فتعدى الحكم إلى الإيلاج في الدبر وعلى الملاط به إذ ربما يتلذذ فينزل ويخفى لما قلنا وأخرجوا ما ذكرنا لكنه يستلزم تخصيص النص بالمعنى ابتداء كذا في فتح القدير الشافعي
وحاصله أن الموجب إنزال المني حقيقة أو تقديرا عند كمال سببه ، وفيما ذكرناه لم يوجد حقيقة ولا تقديرا لنقصان سببه لكن هذا يستلزم تخصيص النص بالمعنى ابتداء والعام لا يخصص بالمعنى ابتداء عندنا فيحتاج أئمتنا إلى الجواب عن هذا [ ص: 62 ] ويحتاجون أيضا إلى الجواب عما ذكره النووي في شرح المهذب بأنه ينتقض بوطء العجوز الشوهاء المتناهية في القبح العمياء البرصاء المقطعة الأطراف فإنه يوجب الغسل بالاتفاق مع أنه لا يقصد به لذة في العادة ولم أجد عن هذين الإيرادين جوابا وقد ظهر لي في الجواب عن الأول أن هذا ليس تخصيصا للنص بالمعنى ابتداء وبيانه يحتاج إلى مزيد كشف فأقول : وبالله التوفيق إنه قد ورد حديثان ظاهرهما التعارض الأول الماء من الماء ومقتضاه أن الغسل لا يجب بالتقاء الختانين من غير إنزال ، فإن الماء اسم جنس محلى فاللام الاستغراق فمعناه جميع الاغتسال من المني فيما يتعلق بعين الماء لا مطلقا لوجوبه بالحيض والنفاس .
والثاني : حديث { إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل ، وإن لم ينزل } ومقتضاه عموم وجوب فيشمل الصغيرة والبهيمة والميتة فيعارض الأول الغسل بغيبوبة الحشفة من غير إنزال
وإذا أمكن العمل بهما وجب فقال علماؤنا إن الموجب للغسل هو إنزال المني كما أفاده الحديث الأول لكن المني تارة يوجد حقيقة وتارة يوجد حكما عند كمال سببه وهو غيبوبة الحشفة في محل يشتهى عادة مع خفاء خروجه ولو كان في الدبر لكمال السببية فيه ; لأنه سبب لخروج المني غالبا كالإيلاج في القبل لاشتراكهما لينا وحرارة وشهوة حتى إن الفسقة اللواطة رجحوا قضاء الشهوة من الدبر على قضائها من القبل ومنه خبرا عن قوم لوط { لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد } وفي الصغيرة ونحوها لم يكن الإيلاج سببا كاملا لإنزال المني لعدم الداعية إليه فلم يوجد إنزال المني حقيقة ولا تقديرا فلو قلنا بالوجوب من غير إنزال لكان فيه ترك العمل بالحديث أصلا ، وهو لا يجوز فكان هذا منا قولا بموجب العلة لا تخصيصا للنص بالقياس ابتداء وكون إنزال المني هو الموجب ، وهو إما حقيقة أو تقديرا هو الذي ذكره مشايخنا في أصولهم في بحث المفاهيم قاطعين النظر عن كون الماء من الماء منسوخا كما لا يخفى وجواب آخر أنه يجوز تخصيص النص العام بالمعنى ابتداء عند جمهور الفقهاء منهم الشيخ أبو منصور ومن تابعه من مشايخ سمرقند ; لأن موجبه عندهم ليس بقطعي وأكثر أصحابنا يمنعونه لكونه عندهم قطعيا والقياس ظني أما إذا كان العام ظنيا جاز تخصيصه بالقياس ابتداء وما نحن فيه من هذا القبيل ; لأنه ظني الثبوت ، وإن كان قطعي الدلالة
وأما الجواب عن الثاني فلا نسلم أن المحل لا يشتهى ولئن سلم فاجتماع هذه الأوصاف الشنيعة في امرأة نادر ولا اعتبار به هذا ، وقد ذكر في المبتغى خلافا فيمن فقال وقيل لا غسل عليه كالبهيمة والمراد بالفرج الدبر ونقله في فتح القدير ولم يتعقبه وقد يقال إنه غير صحيح فقد قال في غاية البيان واتفقوا على وجوب غابت الحشفة في فرجه على الفاعل والمفعول به ا هـ . الغسل من الإيلاج في الدبر
وجعل الدبر كالبهيمة بعيد جدا كما لا يخفى وفي فتح القدير أن في إدخال الإصبع الدبر خلافا في إيجاب الغسل فليعلم ذلك ا هـ .
وقد أخذه من التجنيس ولفظه اختلفوا في وجوب الغسل والقضاء والمختار أنه لا يجب الغسل ولا القضاء ; لأن الإصبع ليس آلة للجماع فصار بمنزلة الخشبة ذكره في الصوم وقد حكى عن السراج الوهاج خلافا في رجل أدخل إصبعه في دبره ، وهو صائم فمنهم من قال يجب مطلقا ومنهم من قال لا يجب مطلقا وطء الصغيرة التي لا تشتهى
والصحيح أنه إذا أمكن الإيلاج في محل الجماع من الصغيرة ولم يفضها [ ص: 63 ] فهي ممن تجامع فيجب الغسل وعزاه للصيرفي في الإيضاح وقد يقال إن بقاء البكارة دليل على عدم الإيلاج فلا يجب الغسل كما اختاره في النهاية معزيا إلى المحيط ولو قال بعضهم يجب الغسل ; لأنه يسمى مولجا وقال بعضهم لا يجب والأصح إن كانت الخرقة رقيقة بحيث يجد حرارة الفرج واللذة وجب الغسل وإلا فلا والأحوط وجوب الغسل في الوجهين ، وإن لف على ذكره خرقة وأولج ولم ينزل فلا غسل عليهما لجواز أن يكون امرأة ، وهذا الذكر منه زائد فيصير كمن أولج إصبعه وكذا في دبر رجل أو فرج خنثى لجواز أن يكونا رجلين والفرجان زائدان منهما وكذا في فرج خنثى مثله لجواز أن يكون الخنثى المولج فيه رجلا والفرج زائد منه ، وإن أولج الخنثى المشكل ذكره في فرج امرأة أو دبرها لم يجب الغسل عليه لجواز أن يكون الخنثى رجلا والفرج منه بمنزلة الجرح ، وهذا كله إذا كان من غير إنزال أما إذا أنزل وجب الغسل بالإنزال كذا في السراج الوهاج ، وهذا لا يرد على أولج رجل في فرج خنثى مشكل المصنف ; لأن كلامه في حشفة وقبل محققين والله أعلم بالصواب
.