( قوله : لا بالجر عطف على مني أي لا يفترض الغسل عند هذه الأشياء أما المذي ففيه ثلاث لغات المذي بإسكان الذال وتخفيف الياء والمذي بكسر الذال وتشديد الياء وهاتان مشهورتان . مذي وودي واحتلام بلا بلل )
قال الأزهري وغيره التخفيف أفصح وأكثر والثالثة المذي بكسر الذال وإسكان الياء حكاها في شرح الفصيح عن أبو عمر الزاهد ويقال مذى بالتخفيف وأمذى ومذى بالتشديد والأول أفصح ، وهو ماء أبيض رقيق يخرج عند شهوة لا بشهوة ولا دفق ولا يعقبه فتور وربما لا يحس بخروجه ، وهو أغلب في النساء من [ ص: 65 ] الرجال . ابن الأعرابي
وفي بعض الشروح أن ما يخرج من المرأة عند الشهوة يسمى القذى بمفتوحتين والودي بإسكان الدال المهملة وتخفيف الياء ولا يجوز عند جمهور أهل اللغة غير هذا وحكى في الصحاح عن الجوهري الأموي أنه قال بتشديد الياء وحكى صاحب مطالع الأنوار لغة أنه بالذال المعجمة ، وهذان شاذان يقال ودى بتخفيف الدال وأودى وودى بالتشديد والأول أفصح ، وهو ماء أبيض كدر ثخين يشبه المني في الثخانة ويخالفه في الكدورة ولا رائحة له ويخرج عقيب البول إذا كانت الطبيعة مستمسكة وعند حمل شيء ثقيل ويخرج قطرة أو قطرتين ونحوهما وأجمع العلماء أنه لا يجب كذا في شرح المهذب . الغسل بخروج المذي والودي
وإذا لم يجب بهما الغسل وجب بهما الوضوء وفي المذي حديث علي المشهور الصحيح الثابت في البخاري وغيرهما ومسلم
فإن قيل ما وقد وجب بالبول السابق عليه قلنا عن ذلك أجوبة أحدها فائدته فيمن به سلس البول ، فإن الودي ينقض وضوءه دون البول ثانيها فيمن توضأ عقب البول قبل خروج الودي ثم خرج الودي فيجب به الوضوء ثالثها يجب الوضوء لو تصور الانتقاض به كما فرع فائدة إيجاب الوضوء بالودي مسائل المزارعة لو كان يقول بجوازها قال في الغاية وفيه ضعف ورابعها الودي ما يخرج بعد الاغتسال من الجماع وبعد البول ، وهو شيء لزج كذا فسره في الخزانة والتبيين فالإشكال إنما يرد على من اقتصر في تفسيره على ما يخرج بعد البول خامسها أن وجوب الوضوء بالبول لا ينافي الوجوب بالودي بعده ويقع الوضوء عنهما حتى لو أبو حنيفة فالوضوء منهما فيحنث وكذا لو حلف لا يتوضأ من رعاف فرعف ثم بال أو عكسه فتوضأ فهو منهما وتحنث ، وهذا ظاهر الرواية وقال حلفت لا تغتسل من جنابة أو حيض فجامعها زوجها وحاضت فاغتسلت الجرجاني الطهارة من الأولى دون الثاني مطلقا وقال الهندواني إن اتحد الجنس كأن بال ثم بال فالوضوء من الأول وإن اختلف كأن بال ثم رعف فالوضوء منهما ذكره في الذخيرة وقد رجح المحقق في فتح القدير تبعا للآمدي قول الجرجاني ; لأن الناقض يثبت الحدث ثم تجب إزالته عند وجود شروطه ، وهو أمر واحد لا تعدد في أسبابه ، فالثابت بكل سبب هو الثابت بالآخر إذ لا دليل يوجب خلاف ذلك فالناقض الأول لما أثبت الحدث لم يعمل الثاني شيئا لاستحالة تحصيل الحاصل نعم لو وقعت الأسباب دفعة أضيف ثبوته إلى كلها ولا ينفي ذلك كون كل علة مستقلة لأن معنى الاستقلال كون الوصف بحيث لو انفرد أثر
وهذه الحيثية ثابتة لكل في حال الاجتماع ، وهذا أمر معقول يجب قبوله والحق أحق أن يتبع ويجب حمله على الحكم بتعدد الحكم هنا ، ولا يستلزم أن يقال به في كل موضع ; لأنه يرفع وقوع تعدد العلل بحكم واحد وهم في الأصول يثبتونه ، وأما الاحتلام فهو افتعال من الحلم بضم الحاء وإسكان اللام ، وهو ما يراه النائم من المنامات يقال : حلم في منامه بفتح الحاء واللام واحتلم وحلمت كذا وحلمت بكذا هذا أصله ثم جعل اسما لما يراه النائم من الجماع فيحدث معه إنزال المني غالبا فغلب لفظ الاحتلام في هذا دون غيره من أنواع المنام لكثرة الاستعمال وحكمه عدم وجوب الغسل إذا لم ينزل لما روى البخاري عن ومسلم رضي الله عنها قالت { أم سلمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت قال نعم إذا رأت الماء أم سليم امرأة أبي طلحة } ونقل جاءت النووي في شرح المهذب عن الإجماع عليه ، وأما ما استدل به في بعض الشرح ومن حديث ابن المنذر { عائشة } فهو وإن كان مشهورا رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يجد البلل ولا يذكر الاحتلام قال يغتسل وعن الرجل يرى أنه احتلم ولا يجد البلل قال لا غسل عليه الدارمي وأبو داود والترمذي وغيرهم لكنه من رواية عبد الله بن عمر العمري [ ص: 66 ] وهو ضعيف عند أهل العلم لا يحتج بروايته ويغني عنه حديث أم سليم المتقدم ، ، فإنه يدل على جميع ما يدل عليه هذا هكذا في شرح المهذب ولا يقال إن الاستدلال بحديث أم سليم صحيح على مذهب من يقول بمفهوم الشرط وأنتم لا تقولون به ; لأنا نقول إن الحكم معلق بالشرط ، فإذا عدم الشرط انعدم الحكم بالعدم الأصلي لا بأن عدم الشرط أثر في عدم الحكم كما تقدم .
[ ص: 65 ]