( قوله وسن بعد فجر عرفة إلى ثمان مرة الله أكبر إلى آخره بشرط إقامة ومصر ومكتوبة وجماعة مستحبة ) بيان لتكبير التشريق ، والإضافة فيه بيانية أي التكبير الذي هو التشريق فإن التكبير لا يسمى تشريقا إلا إذا كان بتلك الألفاظ في شيء من الأيام المخصوصة فهو حينئذ متفرع على قول الكل وبهذا اندفع ما في غاية البيان من أن هذه الإضافة وقعت على قولهما ; لأنه لا تكبير في أيام التشريق عند ا هـ . أبي حنيفة
فإن التكبير في هذا الوقت الخاص يسمى تشريقا فإذا صار علما عليه خرج من إفادته معناه الأصلي من تشريق اللحم مع أنه إن روعي هذا المعنى لم يكن متفرعا على قول أحد ; لأنهم اتفقوا على عرفة ، وليس المعنى موجودا فيه ، وما في الحقائق من أنه إنما أضيف إلى التشريق مع أنه يؤتى به في غيرها لما أن أكثره في أيام التشريق للأكثر حكم الكل يئول إلى أنه على قولهما كما لا يخفى ، وعلى هذا فما في الخلاصة والبدائع من أن تكبير التشريق في يوم ثلاثة أيام النحر ثلاثة ويمضي ذلك كله في أربعة أيام العاشر من ذي الحجة للنحر خاصة والثالث عشر للتشريق خاصة واليومان فيما بينهما للنحر والتشريق جميعا ا هـ . وأيام التشريق
فبيان للواقع من أفعال الناس من أنهم يشرقون اللحم في أيام مخصوصة لا بيان لتكبير التشريق لاتفاقهم على أن اليوم الأول من أيام النحر يكبر فيه ثم صرح في البدائع بأن التشريق في اللغة كما يطلق على إلقاء لحوم الأضاحي بالمشرقة يطلق على رفع الصوت بالتكبير قاله ; ولذا استدل النضر بن شميل على اشتراط المصر لوجوب التكبير بقول أبو حنيفة علي فحينئذ ظهر أن الإضافة فيه على قول الكل ثم سماه في الكتاب سنة تبعا لا جمعة ، ولا تشريق ، ولا فطر ، ولا أضحى إلا في مصر جامع مع أنه واجب على الأصح كما في غاية البيان للأمر في قوله تعالى { للكرخي واذكروا الله في أيام معدودات } ولقوله تعالى { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } على القول بأن كلا منهما أيام التشريق وقيل المعدودات أيام التشريق والمعلومات أيام العشر
وقيل : المعلومات يوم النحر ويومان بعده ، والمعدودات أيام التشريق ; لأنه أمر في المعدودات بالذكر مطلقا ، وفي المعلومات الذكر { على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } وهي الذبائح ومطلق الأمر للوجوب وإطلاق اسم السنة على الواجب جائز ; لأن السنة عبارة عن الطريقة المرضية أو السيرة الحسنة وكل واجب هذا صفته كذا في البدائع ، ولا يخفى أنه مجاز عرفا فيحتاج إلى قرينة وإلا انصرف إلى المعنى الحقيقي وهي في كلام المصنف قوله بعده وبالاقتداء يجب على المرأة والمسافر فصرح بالوجوب بالاقتداء ، ولولا أنه واجب لما وجب بالاقتداء وقد يقال إن الأمر في الآية يفيد الافتراض ; لأنه قطعي فلا بد له من صارف منه إلى الوجوب والحق كما قدمناه مرارا أن السنة المؤكدة والواجب متساويان في الرتبة فلذا تارة يصرحون في الشيء بأنه سنة ويصرحون فيه بعينه بأنه واجب لعدم التفاوت في استحقاق الإثم بتركه وبين وقته فأفاد أن أوله عقب فجر يوم عرفة فالمراد ببعد عقب في عبارته ، ولا [ ص: 178 ] خلاف فيه وأفاد آخره بقوله إلى ثمان أي مع ثمان صلوات فلذا لم يقل ثمانية وهي من الغايات التي تدخل في المغيا كذا في المصفى وهذا عند فالتكبير عنده عقب ثمان صلوات فينتهي بالتكبير عقب العصر يوم النحر وعندهما ينتهي بالتكبير عقب العصر من آخر أيام التشريق وهي ثلاث وعشرون صلاة ، وهو قول أبي حنيفة عمر ورجحاه ; لأنه الأكثر ، وهو الأحوط في العبادات ورجح وعلي قول أبو حنيفة ; لأن الجهر بالتكبير بدعة فكان الأخذ بالأقل أولى احتياطا ابن مسعود
وقد ذكروا في مسائل السجدات أن ما تردد بين بدعة وواجب فإنه يؤتى به احتياطا وما تردد بين بدعة وسنة يترك احتياطا كما في المحيط وغيره ، وهو يقتضي ترجيح قولهما ; ولهذا ذكر الإسبيجابي وغيره أن الفتوى على قولهما ، وفي الخلاصة ، وعليه عمل الناس اليوم ، وفي المجتبى والعمل والفتوى في عامة الأمصار وكافة الأعصار على قولهما وهذا بناء على أنه إذا اختلف وصاحباه فالأصح أن العبرة بقوة الدليل كما في آخر الحاوي القدسي ، وهو مبني على أن قولهما في كل مسألة مروي عنه أيضا كما ذكره في الحاوي أيضا وإلا فكيف يفتى بغير قول صاحب المذهب وبه اندفع ما ذكره في فتح القدير من ترجيح قوله هنا ورد فتوى المشايخ بقولهما إلا أن يريدوا بالواجب المذكور في باب السجدات الفرض ويلتزم أن ما تردد بين بدعة وواجب اصطلاحي فإنه يترك كالسنة فيترجح قوله : وفي قوله مرة إشارة إلى رد ما نقل عن أبو حنيفة أنه يكرر التكبير ثلاثا وقول : الله أكبر إلى آخره الشافعي ، وهو الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد بيان لألفاظه
وقد ذكر الفقهاء أنه مأثور عن الخليل عليه السلام وأصله أن جبريل عليه السلام لما جاء بالفداء خاف العجلة على إبراهيم فقال الله أكبر الله أكبر فلما رآه إبراهيم عليه السلام قال لا إله إلا الله والله أكبر فلما علم إسماعيل الفداء قال إسماعيل الله أكبر ولله الحمد كذا في غاية البيان وكثير من الكتب ، ولم يثبت عند المحدثين كما في فتح القدير ، وقد صرحوا بأن الذبيح إسماعيل وفيه اختلاف بين السلف والخلف فطائفة قالوا به ، وطائفة قالوا بأنه إسحاق والحنفية مائلون إلى الأولى ورجحه في البستان بأنه أشبه بالكتاب والسنة فأما الكتاب فقوله تعالى { الإمام أبو الليث السمرقندي وفديناه بذبح عظيم } ثم قال بعد قصة الذبح { وبشرناه بإسحاق } الآية وأما الخبر فما روي عنه عليه السلام { } يعني أباه أنا ابن الذبيحين عبد الله وإسماعيل واتفقت الأمة أنه كان من ولد إسماعيل وقال أهل التوراة مكتوب في التوراة أنه كان إسحاق ، فإن صح ذلك فيها آمنا به ا هـ .
وأما فدبر الصلاة وفورها من غير أن يتخلل ما يقطع حرمة الصلاة حتى لو ضحك قهقهة أو أحدث متعمدا أو تكلم عامدا أو ساهيا أو خرج من المسجد أو جاوز الصفوف في الصحراء لا يكبر ; لأن التكبير من خصائص الصلاة حيث لا يؤتى به إلا عقب الصلاة فيراعى لإتيانه حرمتها وهذه العوارض تقطع حرمتها ، ولو صرف وجهه عن القبلة ، ولم يخرج من المسجد ، ولم يجاوز الصفوف أو سبقه الحدث يكبر ; لأن حرمة الصلاة باقية والأصل أن كل ما يقطع البناء يقطع التكبير وما لا فلا وإذا سبقه الحدث ، فإن شاء ذهب وتوضأ ورجع فكبر وإن شاء كبر من غير تطهير ; لأنه لا يؤدى في تحريمة الصلاة فلا يشترط له الطهارة قال محل أدائه الإمام السرخسي والأصح عندي أنه يكبر ، ولا يخرج من المسجد للطهارة ; لأن التكبير لما لم يفتقر إلى الطهارة كان خروجه مع عدم الحاجة قاطعا لفور الصلاة فلا يمكنه التكبير بعد ذلك فيكبر للحال جزما كذا في البدائع وشرط الإقامة احترازا عن المسافر فلا تكبير عليه ، ولو صلى المسافرون في المصر جماعة على الأصح كما في البدائع وقيد بالمصر احترازا عن أهل القرى وقيد بالمكتوب احترازا عن الواجب كصلاة [ ص: 179 ] الوتر والعيدين وعن النافلة فلا تكبير عقبها ، وفي المجتبى والبلخيون يكبرون عقب صلاة العيد ; لأنها تؤدى بجماعة فأشبه الجمعة ا هـ .
وفي مبسوط ، ولو أبي الليث لا بأس به ; لأن المسلمين توارثوا هكذا فوجب أن يتبع توارث المسلمين ا هـ . كبر على إثر صلاة العيد
وفي الظهيرية عن الفقيه أبي جعفر قال سمعت أن مشايخنا كانوا يرون ا هـ . التكبير في الأسواق في الأيام العشر
وفي المجتبى لا تمنع العامة عنه وبه نأخذ وتدخل الجمعة في المكتوبة كما في المحيط وأراد بالمكتوبة الصلاة المفروضة من الصلوات الخمس فلا تكبير عقب صلاة الجنازة وإن كانت مكتوبة وقيد بالجماعة فلا تكبير على المنفرد وقيد بكونها مستحبة احترازا عن جماعة النساء والعراة ، ولم يشترط الحرية ; لأنها ليست بشرط على الأصح حتى لو وجب عليه ، وعليهم التكبير وذكر الشارح أن الحاصل أن أم العبد قوما غير الخطبة والسلطان والحرية في رواية ، وهو الأصح ا هـ . شروطه شروط الجمعة
وليس بصحيح إذ ليس الوقت والإذن العام من شروطه وهذا كله عند أخذا من قول أبي حنيفة لا جمعة ، ولا تشريق ، ولا فطر ، ولا أضحى إلا في مصر جامع فإن المراد بالتشريق التكبير كما قدمناه ; لأن تشريق اللحم لا يختص بمكان دون مكان وأما عندهما فهو واجب على كل من يصلي المكتوبة ; لأنه تبع لها فيجب على المسافر والمرأة والقروي قال في السراج الوهاج والجوهرة والفتوى على قولهما في هذا أيضا فالحاصل أن الفتوى على قولهما في آخر وقته وفيمن يجب عليه علي
وأطلق المصنف في فشمل الأداء والقضاء وهي رباعية لا تكبير في ثلاثة منها الأولى فاتته في غير أيام التشريق فقضاها فيها ثانيها فاتته في هذه الأيام فقضاها في غير هذه الأيام ثالثها فاتته في هذه الأيام فقضاها فيها من السنة القابلة ، ولا تكبير في الأوليين اتفاقا ، وفي الثالثة خلاف التكبير عقب هذه الصلوات والصحيح ظاهر الرواية والتكبير إنما هو في الرابعة ، وهي ما إذا فاتته في هذه الأيام فقضاها فيها من هذه السنة فإنه يكبر لقيام وقته كالأضحية ثم أبي يوسف إلا أن السهو يؤدى في تحريمة الصلاة حتى صح الذي يؤدى عقب الصلاة ثلاثة أشياء : سجود السهو وتكبير التشريق والتلبية والتكبير يؤدى في حرمتها لا في تحريمتها حتى لم يصح الاقتداء بالإمام بعد السلام قبل التكبير والتلبية لا تؤدى في شيء منها ; ولذا قال في الخلاصة ويبدأ الإمام بسجود السهو ثم بالتكبير ثم بالتلبية إن كان محرما ، وفي فتاوى الاقتداء بالساهي بعد سلامه الولوالجي لو بدأ بالتلبية سقط السجود والتكبير ولما لم يكن مؤدى في تحريمتها لو فعلى القوم أن يأتوا به كسامع السجدة مع تاليها بخلاف ما إذا لم يسجد الإمام للسهو فإنهم لا يسجدون قال تركه الإمام يعقوب صليت بهم المغرب يوم عرفة فسهوت أن أكبر بهم فكبر بهم رحمه الله ، وقد استنبط من هذه الواقعة أشياء منها هذه المسألة ومنها أن أبو حنيفة ; لأن تعظيم الأستاذ في إطاعته لا فيما يظنه طاعة تقدم بأمر أبا يوسف ومنها أنه أبي حنيفة ومنها أن ينبغي للأستاذ إذا تفرس في بعض أصحابه الخير أن يقدمه ويعظمه عند الناس حتى يعظموه ، ألا ترى أن التلميذ لا ينبغي أن ينسى حرمة أستاذه ، وإن قدمه أستاذه وعظمه شغله ذلك عن التكبير حتى سها . أبا يوسف