الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( باب الوصية بالخدمة ، والسكنى ، والثمرة )

                                                                                        لما فرغ من بيان الوصية المتعلقة بالأعيان شرع في بيان الوصية المتعلقة بالمنافع وأخر هذا الباب ; لأن المنافع بعد الأعيان وجودا فأخرها عنها وضعا قال رحمه الله ( وتصح الوصية بخدمة عبده وسكنى داره مدة معلومة وأبدا ) ; لأن المنافع يصح تمليكها في حال الحياة ببدل أو بغير بدل وكذا بعد الممات للحاجة كما في حكم الأعيان ويكون محبوسا على ملك الميت في حق المنفعة حتى يستوفيه الموصى له على ملكه كما يستوفي الموقوف عليه المنافع على حكم ملك الواقف قال في الاختيار شرح المختار وليس للموصى له أن يؤجرها ; لأنه ملك المنافع بغير بدل والذي يملك أن يؤجر هو الذي يتملك المنافع بعوض ، قال في الهداية : وليس له أن يخرج العبد من بلد الموصي إلا إذا كان الموصى له وأهله في بلد أخرى فيخرجه إلى بلده لخدمته ; لأن المقصود من الوصية الخدمة ومتى أمكن توصله إلى الخدمة من بلد الموصي فلا يخرجه منها ، وأفاد بقوله مدة وأبدا أنها تجوز مؤبدة ومؤقتة كما في العارية وتفسيرها أن يقوم الوارث مقام المورث فيما كان له وذلك في عين تبقى ، والمنفعة عوض يعني وكذا الوصية بغلة الدار ، والعبد جائزة ; لأنها بدل المنفعة ، والمجوز للوصية بها الحاجة وهي تشمل الكل إذ الموصي يحتاج إلى التقرب إلى الله تعالى بما يقدر عليه وكذا الموصى له محتاج إلى قضاء حاجته بأي شيء كان قال رحمه الله ( فإن خرج العبد من ثلثه سلم إليه ليخدمه ) ; لأن حق الموصى له في الثلث لا يزاحمه الورثة فيه قال في الأصل يجب أن يعلم بأن الوصية بخدمة الرقيق وسكنى الدار وغلة الرقيق ، والدور ، والأرضين ، والبساتين جائزة في قول علمائنا رحمهم الله تعالى وإذا جازت الوصية بخدمة الرقيق وسكنى الدور وغلة الرقيق فنقول إذا أوصى لرجل بخدمة عبده سنة ولا مال له غيره فهذا على وجهين إما أن تكون السنة معينة بأن قال : أوصيت بخدمة هذا العبد مثلا سنة سبعين وأربعمائة أو كانت غير معينة بأن لم يقل سنة كذا .

                                                                                        وكل وجه من ذلك على وجهين إما أن يكون العبد يخرج من ثلث [ ص: 514 ] ماله أو لا يخرج من ثلث ماله فإن أوصى له بخدمة عبده في سنة بعينها ومضت تلك السنة بعينها قبل موت الموصي بطلت الوصية وإن مات الموصي قبل دخول تلك السنة التي عينها ثم دخلت تلك السنة التي عينها ينظر إلى العبد إن كان العبد يخرج من ثلث ماله أو لا يخرج من ثلث ماله ولكن أجازت الورثة الوصية فإنه يسلم العبد الموصى به إليه حتى يستوفي وصيته وإن كان لا يخرج العبد من الثلث ، ولم تجز الورثة الوصية فإن العبد يخدم الموصى له يوما ، والورثة يومين حتى تمضي السنة التي عينها فإذا مضت تلك السنة التي عينها سلم العبد للورثة هذا إذا كانت السنة بعينها وإن كانت السنة بغير عينها إن كان العبد يخرج من ثلث ماله أو لا يخرج وقد أجازوا فيسلم العبد إلى الموصى له حتى يستخدمه سنة كاملة ثم يرده على الورثة فإن كان العبد لا يخرج من ثلث ماله ولم تجز الورثة فإنه يخدم الموصى له بالخدمة وكان يجب أن يعين السنة التي وجد فيها الموت وكل وجوب عرفته فيما إذا أوصى له بخدمة عبده سنة فهو الجواب فيما إذا أوصى له بغلة داره سنة أو سكنى داره سنة عين السنة أو لم يعين السنة إلى آخر ما ذكرنا في الخدمة ، وفي المنتقى برواية المعلى عن أبي يوسف إذا أوصى لرجل بسكنى داره ولم يوقت كان ذلك ما عاش .

                                                                                        وعن محمد عن أبي حنيفة إذا أوصى بغلة عبده هذا لفلان ولم يسم وقتا وهو يخرج من ثلث ماله فله غلته حال حياته ، وإن كانت الغلة أكثر من الثلث وكذلك الوصية بغلة البستان أو بسكنى الدار أو خدمة العبد ، وهو قول أبي يوسف ومحمد ، وفي نوادر بشر عن أبي يوسف إذا أوصى بخدمة عبده أو سكنى داره لعبد رجل جاز للعبد الموصى له ولا يجوز لمولاه ويسكن العبد الدار ولا يسكن مولاه فإن مات العبد الموصى به بطلت الوصية وإن بيع أو أعتق بقيت الوصية ، وفي نوادر ابن سماعة عن أبي يوسف رجل أوصى أن يخدم عبده فلانا حتى يستغني فإن كان فلان صغيرا خدمه حتى يدرك وإن كان كبيرا فالوصية باطلة قال : وإذا أوصى لهما بالسكنى فالسكنى بينهما بخلاف العبد فإنه يقسم الخدمة بينهما ولم يقسم العين .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية