الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
2704 2859 - حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15020عبد الله بن مسلمة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11974أبي حازم بن دينار ، عن nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - nindex.php?page=hadith&LINKID=652647أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " nindex.php?page=treesubj&link=24000_33393إن كان في شيء ففي المرأة والفرس والمسكن " . [5095 - مسلم: 2226 - فتح: 6 \ 60]
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=11931أبو اليمان ، أنا شعيب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : أخبرني nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله ، عن أبيه قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=652646nindex.php?page=treesubj&link=33393_24000 "إنما الشؤم في ثلاثة : في الفرس ، والمرأة ، والدار " .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15020عبد الله بن مسلمة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11974أبي حازم بن دينار ، عن nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=652647nindex.php?page=treesubj&link=24000_33393 "إن كان في شيء ففي المرأة والفرس والمسكن " .
الشرح :
الحديثان في nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أيضا ويأتيان في النكاح [أيضا] .
وفي nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر : nindex.php?page=hadith&LINKID=694892 "إن كان في شيء ففي الربع والفرس والمرأة " ، يعني : الشؤم . وهو من أفراده .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي الأول من حديث سفيان عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن سالم وحمزة عن أبيهما ، قال : ورواه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري فقال : عن سالم
[ ص: 516 ] وحمزة ، ورواه أبو عمر من طريق nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، فقال : عن سالم أو حمزة أو كليهما -شك nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر - وفي آخره قال : قالت nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة : والسيف . قال أبو عمر : وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=15662جويرية ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري أن بعض أهل nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة -زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبره أن nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة كانت تزيد : السيف . يعني في حديث nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن حمزة وسالم في الشؤم .
إذا تقرر ذلك ; فالشؤم نقيض اليمن وهو الفحش ، وروينا في "الحلية " من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة مرفوعا : nindex.php?page=hadith&LINKID=704253 "الشؤم سوء الخلق " قال nindex.php?page=showalam&ids=12180أبو نعيم : تفرد به عن حبيب بن عبيد أبو بكر بن أبي مريم ، وكانت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة تنكر الشؤم وتقول : إنما حكاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أهل الجاهلية وأقوالهم .
ثم ذكر بإسناده إلى أبي حسان nindex.php?page=hadith&LINKID=705739أن رجلين دخلا عليها فقالا : إن nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة يحدث أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : "إنما الطيرة في المرأة والدار والدابة " فذكرت كلمة معناها أنه غلط ، ولكن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "كان أهل الجاهلية يقولون : الطيرة في ذلك " ، ومن طريق nindex.php?page=showalam&ids=9أنس مرفوعا : nindex.php?page=hadith&LINKID=842344 "لا طيرة ، والطيرة على من تطير ، وإن يكن في شيء ففي المرأة والدار والفرس " .
[ ص: 517 ] وتخيل بعضهم أن التطير بهذه الأشياء من قوله : "لا طيرة " وأنه مخصوص بها ، فكأنه قال : لا طيرة إلا في هذه الثلاثة ، فمن تشاءم بشيء منها نزل به ما كره من ذلك ، وممن صار إلى ذلك ابن قتيبة ، وعضده بحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا : nindex.php?page=hadith&LINKID=842344 "الطيرة على من تطير " .
وسئل nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن تفسير الشؤم في ذلك فقال : هو كذلك فيما نرى ، كم من دار سكنها ناس فهلكوا ثم آخرون من بعدهم فهلكوا .
ويعضده حديث يحيى بن سعيد : nindex.php?page=hadith&LINKID=708747جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، دار سكناها والعدد كثير والمال وافر ، فقل العدد وذهب المال ، فقال : "دعوها ذميمة " ، أي : عندكم لاعتيادكم ذلك ، فالناس يتطيرون بهذه الثلاثة أكثر من سواها ، ولا يظن بهذا القول أن الذي رخص فيه من الطيرة بهذه الثلاثة الأشياء هو على ما كانت الجاهلية تعتقد فيها فإنها كانت لا تقدم على ما تطيرت به ولا تفعله بوجه ، بناء على أن الطيرة تضر قطعا ، فإن هذا ظن خطأ ، وإنما يعني بذلك أن هذه الثلاثة أكثر ما يتشاءم الناس بها لملازمتهم إياها .
فمن وقع في نفسه شيء من ذلك فقد أباح الشرع له أن يتركه ويستبدل به غيره مما يغلب به نفسه ، ويسكن خاطره له ، ولم يلزمه الشرع أن يقيم في موضع يكرهه أو امرأة يكرهها بل قد فسح الله له في ترك ذلك كله ، لكن مع اعتقاد أن الله هو الفعال لما يريد . وليس لشيء من هذه الأشياء أثر في الوجود ، وهذا على نحو ما ذكر في المجذوم .
[ ص: 518 ] لا يقال : هذا يجري في كل متطير به ، فما وجه خصوصية هذه الثلاثة بالذكر ؟
لأن الضرورة في الوجود لا بد للإنسان منها ومن ملازمتها غالبا ، وأكثر ما يقع التشاؤم في الثلاثة ، فكذلك خصت بالذكر .
فإن قلت : ما الفرق بين الدار وموضع الوباء الذي منع من الخروج منه ؟
قلت : الأمور بالنسبة إلى هذا المعنى ثلاثة أقسام ، ذكرها بعضهم :
أحدها : ما لا يقع التأذي به ولا اطردت عادة به ، فلا يصغى إليه ، وقد أنكر الشارع الالتفات إليه كتلقي الغراب في بعض الأسفار أو صراخ بومة في داره ، فمثل هذا قال : "لا طيرة ولا تطير " وسيأتي حديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=661131 "لا عدوى ولا طيرة " في الطب ، وأخرجه جمع من الصحابة منهم nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر -وصححه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي - nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه ، ورواه أيضا ثلاثة عشر صحابيا أخر ، ذكرهم أبو محمد بن عساكر في "تحقيق المقال في الطيرة والفال " : وهذا هو الذي كانت العرب تعمل به .
ثانيها : ما يقع به الضرر عاما نادرا كالوباء ، فلا يقدم عليه عملا بالجزم والاحتياط ، ولا يفر منه لاحتمال أن يكون وصل الضرر بها إلى الضار ، فيكون سفره زيادة في محنته وتعجيلا لهلكة .
ثالثها : سبب يخص ولا يعم ويلحق منه الضرر بطول الملازمة كالمذكورات في الحديث ، فيباح له الاستبدال nindex.php?page=treesubj&link=28679والتوكل على الله والإعراض عما يقع في النفوس منها من أفضل الأعمال .
[ ص: 519 ] وثم تأويلات أخر للحديث ، منها : أن شؤم الدار : ضيقها وسوء جيرانها أو أن لا يسمع فيها أذان ، وشؤم المرأة : عدم ولادتها ، وسلاطة لسانها ، وتعرضها للريبة .
قلت : قال nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة : أول شؤمها كثرة مهرها . وشؤم الفرس : ألا يغزى عليها ، وغلاء ثمنها . وشؤم الخادم : سوء خلقه ، وقلة تعهده لما فوض إليه .
ووردت هذه الألفاظ على أنحاء في هذا : إن كان الشؤم ففي كذا الشؤم في كذا ، إنما الشؤم في كذا ، فالأول : معناه : إن خلقه الله فيما جرى في بعض العادة به فإنما يخلقه في الغالب في هذه الثلاثة .
والثاني : حصر للشؤم فيها ، وهو حصر عادة لا خلقة ، فإن الشؤم قد يكون بين الاثنين في الصحبة ، وقد يكون في السفر ، وقد يكون في الثوب يستجده العبد ، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا لبس أحدكم ثوبا جديدا فليقل : اللهم إني أسألك خيره وخير ما صنع له ، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له " .
وقال ابن التين في الأولى : قيل : معناه يكون لقوم دون قوم ، وذلك كله (بقدرة ) الله لا على أنها فعالة بنفسها ، ولكنها سبب للقضاء والقدر . وقيل : إن الراوي لم يسمع أول الحديث ، وهو : الجاهلية تقول : الشؤم في ثلاث . فحكى ما سمع .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : المراد : إبطال مذهبهم في التطير والسوانح
[ ص: 520 ] والبوارح ، ويكون مجرى الحديث مجرى استثناء الشيء من غير جنسه ، وسبيله سبيل الخروج من شيء إلى غيره .
قال بعض العلماء : وقد يكون الشؤم هنا على غير المفهوم من معنى التطير ، لكن بمعنى قلة الموافقة وسوء الطباع كما في الحديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=682213 "من سعادة المرء ثلاثة : المرأة الصالحة ، والمسكن الصالح ، والمركب الصالح ، ومن شقوته : المرأة السوء والمسكن السوء " .
رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد من حديث إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده .
ومن حديث معاوية بن حكيم عن عمه حكيم بن معاوية : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=678496 "لا شؤم ، وقد يكون اليمن في المرأة والفرس والدار " .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=17409يوسف بن موسى القطان : ثنا سفيان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن سالم ، عن أبيه يرفعه : "البركة في ثلاثة : في الفرس ، والمرأة ، والدار " .
وسئل سالم عن معنى هذا الحديث فقال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502912 "إذا كان الفرس ضروبا فهو مشئوم ، وإذا كانت المرأة قد عرفت زوجا قبل زوجها فحنت إلى الزوج الأول فهي مشئومة ، وإذا كن بغير هذا الوصف فهن مباركات " .
ويحتمل - (كما ) قال أبو عمر - أن يكون قوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=685536 "الشؤم في ثلاث "
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15351المهلب : حقق في ظاهر اللفظ وهو قوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=652646 "إنما الشؤم في ثلاثة " حين لم يستطع أن ينسخ التطير من نفوس الناس ، فأعلمهم أن الذي يتعذبون به من الطيرة لمن التزمها إنما هي في ثلاثة أشياء ، وهي الملازمة لهم مثل دار المنشأ والمسكن ، والزوجة التي هي ملازمة في حال العسر واليسر ، والفرس الذي به عيشه وجهاده وتقلبه ، فحكم بترك هذه الثلاثة الأشياء لمن التزم التطير حين قال في الدار التي سكنت والمال وافر والعدد كثير : nindex.php?page=hadith&LINKID=675346 "اتركوها ذميمة " خشية أن لا يطول تعذب النفوس مما تكره من هذه الأمور الثلاثة وتتطير بها ، وأما غيرها من الأشياء التي إنما هي خاطرة وطارئة وإنما تحزن بها النفوس ساعة أو أقل ، مثل الطائر المكروه الاسم عند العرب يمر برجل منهم ، فإنما يعرض له في حين مروره به ، فقد أمر - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذا وشبهه لا يضر من عرض له .
وأمر في هذه الثلاثة بخلاف ذلك لطول التعذب بها ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=842345 "ثلاث لا يسلم منهن أحد : الطيرة ، والظن ، والحسد ، فإذا تطيرت فلا ترجع ، وإذا حسدت فلا تبغ ، وإذا ظننت فلا تحقق " ، وسيأتي لنا عودة إلى ذلك في الطب والنكاح إن شاء الله ، وظهر أن لا تعارض بين هذا وبين حديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=45366 "لا طيرة " وإن توهم بعضهم المعارضة ، ولله الحمد .
عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، الإمام الثبت القدوة ، شيخ الإسلام [ ص: 258 ] أبو عبد الرحمن الحارثي القعنبي المدني ، نزيل البصرة ، ثم مكة .
مولده بعد سنة ثلاثين ومائة بيسير .
وسمع من : أفلح بن حميد ، وابن أبي ذئب ، وشعبة بن الحجاج ، وأسامة بن زيد بن أسلم ، وداود بن قيس الفراء ، وسلمة بن وردان ، ويزيد بن إبراهيم التستري ، ومالك بن أنس ، ونافع بن عمر الجمحي ، والليث بن سعد ، والدراوردي ، وإبراهيم بن سعد ، وإسحاق بن أبي بكر المدني ، والحكم بن الصلت ، وحماد بن سلمة ، وسليمان بن بلال ، وعيسى بن حفص بن عاصم بن عمر ، وسليمان بن المغيرة ، وهشام بن سعد ، وعدة .
وعنه : البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والخريبي وهو من شيوخه ، ومحمد بن سنجر الحافظ ، ومحمد بن يحيى الذهلي ، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، وأبو حاتم الرازي ، وعبد بن حميد ، وعمرو بن منصور النسائي ، وأبو زرعة الرازي ، ومحمد بن غالب تمتام ، وإسماعيل القاضي ، ومحمد بن أيوب بن الضريس ، وعثمان بن سعيد الدارمي ، ومحمد بن معاذ دران ، وإسحاق بن الحسن الحربي ، ومعاذ بن المثنى ، وأبو مسلم الكجي ، وأبو خليفة الجمحي ، وخلق كثير .
وروى مسلم أيضا ، وأبو عيسى الترمذي ، وأبو عبد الرحمن النسائي حديثه بواسطة .
قال أبو زرعة الرازي : ما كتبت عن أحد أجل في عيني من القعنبي . [ ص: 259 ] قال ابن أبي حاتم : قلت لأبي : القعنبي أحب إليك في " الموطأ " أو إسماعيل بن أبي أويس ؟ قال : بل القعنبي ، لم أر أخشع منه .
وروى عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني الواهي ، عن الميموني : سمعت القعنبي يقول : اختلفت إلى مالك ثلاثين سنة ، ما من حديث في " الموطأ " إلا لو شئت قلت : سمعته مرارا .
وعن عبد الصمد بن الفضل : ما رأت عيناي مثل أربعة ، فذكر منهم القعنبي .
أنبأنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا حنبل ، أخبرنا ابن الحصين ، أخبرنا ابن المذهب ، أخبرنا أبو بكر القطيعي ، حدثنا الفضل بن الحباب ، حدثنا القعنبي ، حدثنا شعبة ، حدثنا منصور ، عن ربعي ، عن أبي مسعود : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح ، فاصنع ما شئت . [ ص: 260 ] وروى محمد بن علي بن المديني ، عن أبيه قال : لا يقدم أحد من رواة " الموطأ " على القعنبي .
قلت : حد الولي الرسوخ في العلم والعمل مثل القعنبي .
وقال أبو حاتم : ثقة حجة لم أر أخشع منه ، سألناه أن يقرأ علينا " الموطأ " فقال : تعالوا بالغداة ، فقلنا : لنا مجلس عند حجاج بن منهال ، قال : فإذا فرغتم منه . قلنا : نأتي حينئذ مسلم بن إبراهيم . قال فإذا فرغتم . قلنا : نأتي أبا حذيفة النهدي . قال : فبعد العصر . قلنا : نأتي عارما أبا النعمان ، قال : فبعد المغرب . فكان يأتينا بالليل ، فيخرج علينا ، وعليه كبل ما تحته شيء في الصيف ، فكان يقرأ علينا في الحر الشديد حينئذ . [ ص: 261 ] قال يحيى بن معين : ما رأيت رجلا يحدث لله إلا وكيعا والقعنبي .
قال الحافظ أبو عمرو أحمد بن محمد الحيري : سمعت أبي يقول : قلت للقعنبي : ما لك لا تروي عن شعبة غير هذا الحديث ؟ قال : كان شعبة يستثقلني ، فلا يحدثني . يعني حديث : إذا لم تستح فاصنع ما شئت .
والحديث يقع عاليا في جزء الغطريف لابن البخاري .
قال عبد الله الخريبي -وكان كبير القدر- : حدثني القعنبي ، عن مالك ، وهو والله عندي خير من مالك .
قال عمرو بن علي الفلاس : كان القعنبي مجاب الدعوة .
وقال عثمان بن سعيد : سمعت علي بن المديني وذكر أصحاب مالك ، فقيل له : معن ثم القعنبي ، قال : لا بل القعنبي ثم معن .
ويروى عن أبي سبرة المديني قال : قلت للقعنبي : حدثت ولم تكن [ ص: 262 ] تحدث ! قال : إني أريت كأن القيامة قد قامت ، فصيح بأهل العلم ، فقاموا ، وقمت معهم ، فنودي بي : اجلس . فقلت : إلهي ألم أكن أطلب ؟ قال : بلى ، ولكنهم نشروا ، وأخفيته . قال : فحدثت . وقال محمد بن عبد الوهاب الفراء : سمعتهم بالبصرة يقولون : عبد الله بن مسلمة من الأبدال .
وقال إسماعيل القاضي : كان القعنبي من المجتهدين في العبادة .
وقال الإمام ابن خزيمة : سمعت نصر بن مرزوق يقول : أثبت الناس في " الموطأ " القعنبي ، وعبد الله بن يوسف بعده .
قال إسماعيل القاضي : كان القعنبي لا يرضى قراءة حبيب ، فما زال حتى قرأ لنفسه " الموطأ " على مالك . قال محمد بن سعد الكاتب : كان القعنبي عابدا فاضلا ، قرأ على مالك كتبه .
قال أبو بكر الشيرازي في كتاب " الألقاب " له : سمعت أبا إسحاق المستملي ، سمعت أحمد بن منير البلخي ، سمعت حمدان بن سهل البلخي الفقيه يقول : ما رأيت أحدا إذا روئي ذكر الله تعالى إلا القعنبي [ ص: 263 ] رحمه الله ، فإنه كان إذا مر بمجلس يقولون : لا إله إلا الله . وقيل : كان يسمى الراهب لعبادته وفضله .
وروى عبد الله بن أحمد بن الهيثم ، عن جده قال : كنا إذا أتينا القعنبي ، خرج إلينا كأنه مشرف على جهنم .
قال محمد بن عبد الله الزهيري ، عن الجنيني قال : كنا عند مالك ، فقدم ابن قعنب من سفر ، فقال مالك : قوموا بنا إلى خير أهل الأرض .
وقال أبو عبد الله الحاكم : قال الدارقطني : يقدم في " الموطأ " معن بن عيسى ، وابن وهب ، والقعنبي ، ثم قال : وأبو مصعب ثقة في " الموطأ " .
وقد رويت حكاية في سماع القعنبي لذاك الحديث من شعبة لا تصح ، وأنه هجم عليه بيته ، فوجده يبول في بلوعة ، فقال : حدثني ، فلامه ، وعنفه ، وقال : تهجم على داري ، ثم تقول : حدثني وأنا على هذه الحالة ؟ ! قال : إني أخشى الفوت ، فروى له الحديث في قلة الحياء ، وحلف أن لا يحدثه بسواه .
وفي الجملة لم يدرك القعنبي شعبة إلا في آخر أيامه ، فلم يكثر عنه . وقد حدثه أفلح عن القاسم بن محمد ، وأفلح أكبر من شعبة قليلا .
وقد سمعت " الموطأ " بحلب وبعلبك من رواية القعنبي ، عن مالك . [ ص: 264 ] وهو أكبر شيخ لمسلم ، سمع منه في أيام الموسم في ذي الحجة سنة عشرين ، ولم يكثر عنه .
ومات القعنبي في المحرم سنة إحدى وعشرين ومائتين .
قال محمد بن عمر بن لبابة الأندلسي : حدثنا مالك بن علي القرشي ، حدثنا القعنبي ، قال : دخلت على مالك ، فوجدته باكيا ، فقلت : يا أبا عبد الله ، ما الذي يبكيك ؟ قال : يا ابن قعنب على ما فرط مني ، ليتني جلدت بكل كلمة تكلمت بها في هذا الأمر بسوط ، ولم يكن فرط مني ما فرط من هذا الرأي ، وهذه المسائل قد كان لي سعة فيما سبقت إليه .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد وجماعة إجازة قالوا : أخبرنا عمر بن محمد ، أخبرنا هبة الله بن الحصين ، أخبرنا محمد بن محمد ، أخبرنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا معاذ بن المثنى ، حدثنا القعنبي ، حدثنا أفلح بن حميد ، عن القاسم ، عن عائشة قالت : طيبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحرمه حين أحرم ، ولحله حين أحل قبل أن يطوف بالبيت .
هذا حديث حسن عال ، أخرجه مسلم عن القعنبي ، وهو من أعلى شيء في " صحيحه " .