3511 - حدثنا فهد ، قال : ثنا ، قال : ثنا موسى بن إسماعيل أبو سلمة ، قال : ثنا وهيب بن خالد ، عن سهيل ، وعن أبيه ، حدثاه عن المقبري رضي الله عنه - رفعه - قال : أبي هريرة لا تسافر امرأة فوق ثلاث ليال إلا مع بعل أو ذي رحم محرم .
قالوا : ففي توقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاث في ذلك دليل على أن حكم ما دون الثلاث بخلاف ذلك ، وممن قال بهذا القول أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهم الله تعالى . ومحمد
فقد اتفقت هذه الآثار كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم السفر ثلاثة أيام على المرأة بغير ذي محرم .
واختلفت فيما دون الثلاث ، فنظرنا في ذلك ، فوجدنا النهي عن السفر بلا محرم مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا ثابتا بهذه الآثار كلها ، وكان توقيته ثلاثة أيام في ذلك إباحة السفر دون الثلاث لها بغير محرم ، ولولا ذلك لما كان لذكره الثلاث معنى .
ونهى نهيا مطلقا ، ولم يتكلم بكلام يكون فضلا ، ولكنه ذكر الثلاث ؛ ليعلم أن ما دونها بخلافها ، وهكذا الحكيم يتكلم بما يدل على غيره ليغنيه عن ذكر ما يدل كلامه ذلك عليه ، ولا يتكلم بالكلام الذي لا يدل على غيره ، وهو يقدر أن يتكلم بكلام يدل على غيره ، وهذا تفضل من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم بذلك ، إذ آتاه جوامع الكلم الذي ليس في طبع غيره القوة عليه ، ثم رجعنا إلى ما كنا فيه ، فلما ذكر الثلاث وثبت بذكره إياها إباحة ما هو دونها ، ثم ما روي عنه في منعها من السفر دون الثلاث من اليوم واليومين والبريد ، فكل واحد من تلك الآثار ، [ ص: 115 ] ومن الأثر المروي في الثلاث متى كان بعد الذي خالفه نسخه إن كان النهي عن سفر اليوم بلا محرم بعد النهي عن سفر الثلاث بلا محرم ، فهو ناسخ له ، وإن كان خبر الثلاث هو المتأخر عنه فهو ناسخ له ، فقد ثبت أن أحد المعاني التي دون الثلاث ناسخة للثلاث ، أو الثلاث ناسخة لها ، فلم يخل خبر الثلاث من أحد وجهين ، إما أن يكون هو المتقدم ، أو يكون هو المتأخر .
فإن كان هو المتقدم فقد أباح السفر أقل من ثلاث بلا محرم ، ثم جاء بعده النهي عن سفر ما هو دون الثلاث بغير محرم ، فحرم ما حرم الحديث الأول ، وزاد عليه حرمة أخرى ، وهو ما بينه وبين الثلاث ، فوجب استعمال الثلاث على ما أوجبه الأثر المذكور فيه .
وإن كان هو المتأخر وغيره المتقدم فهو ناسخ لما تقدمه ، والذي تقدمه غير واجب العمل به ، فحديث الثلاث واجب استعماله على الأحوال كلها ، وما خالفه فقد يجب استعماله إن كان هو المتأخر ، ولا يجب إن كان هو المتقدم ، فالذي قد وجب علينا استعماله والأخذ به في كلا الوجهين أولى مما قد يجب استعماله في حال وتركه في حال ، وفي ثبوت ما ذكرنا دليل على أن المرأة ليس لها أن تحج إذا كان بينها وبين الحج مسيرة ثلاثة أيام إلا مع محرم ، فإذا عدمت المحرم ، وكان بينها وبين مكة المسافة التي ذكرنا ، فهي غير واجدة للسبيل الذي يجب عليها الحج بوجوده .