[ ص: 18 ] 44 - وما قد حدثنا ابن خزيمة قال : ثنا قال : ثنا حجاج عن حماد بن سلمة حماد بن أبي سليمان . أنه قال في دجاجة وقعت في بير فماتت ؟ قال : ينزح منها قدر أربعين دلوا أو خمسين ، ثم يتوضأ منها
فهذا من روينا عنه ، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم ، قد جعلوا مياه الآبار نجسة بوقوع النجاسات فيها ، ولم يراعوا كثرتها ولا قلتها ، وراعوا دوامها وركودها ، وفرقوا بينها وبين ما يجري مما سواها .
فإلى هذه الآثار مع ما تقدمها مما رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذهب أصحابنا في النجاسات التي تقع في الآبار ولم يجز لهم أن يخالفوها لأنه لم يرو عن أحد خلافها .
فإن قال قائل : فأنتم قد جعلتم ماء البير نجسا بوقوع النجاسة فيها فكان ينبغي أن لا تطهر تلك البير أبدا ؛ لأن حيطانها قد تشربت ذلك الماء النجس ، واستكن فيها ، فكان ينبغي أن تطم .
قيل له : لم تر العادات جرت على هذا قد فعل ما ذكرنا في عبد الله بن الزبير زمزم بحضرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكروا ذلك عليه ولا أنكره من بعدهم ، ولا رأى أحد منهم طمها وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإناء الذي قد نجس من ولوغ الكلب فيه ؛ أن يغسل ؛ ولم يأمر بأن يكسر ؛ وقد شرب من الماء النجس .
فكما لم يؤمر بكسر ذلك الإناء ، فكذلك لا يؤمر بطم تلك البير .
فإن قال قائل : فإنا قد رأينا الإناء يغسل ، فلم لا كانت البير كذلك ؟
قيل له : إن البير لا يستطاع غسلها ؛ لأن ما يغسل به يرجع فيها وليست كالإناء الذي يهراق منه ما يغسل به .
فلما كانت البير مما لا يستطاع غسلها ، وقد ثبت طهارتها في حال ما . وكان كل من أوجب نجاستها بوقوع النجاسة فيها وقد أوجب طهارتها بنزحها ، وإن لم ينزح ما فيها من طين .
فلما كان بقاء طينها فيها ، لا يوجب نجاسة ما يطرأ فيها من الماء وإن كان يجري على ذلك الطين كان إذا ما بين حيطانها أحرى أن لا ينجس ، ولو كان ذلك مأخوذا من طريق النظر ، لما طهرت حتى تغسل حيطانها ويخرج طينها ويحفر فلما أجمعوا أن نزح طينها وحفرها غير واجب ، كان غسل حيطانها أحرى أن لا يكون واجبا .
وهذا كله ، قول ، أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، رحمهم الله تعالى . ومحمد