الموطن الرابع في مدلول الخبر مدلوله الحكم بالنسبة لا بثبوتها ، فإذا قيل : زيد قائم ، فليس مدلوله نفس ثبوت القيام لزيد في الخارج ، وإلا لم يكن شيء من الخبر كذبا ، وإنما يفيد أنك حكمت بقيام زيد ، وأخبرت عنه ، ثم إن طابق ذلك الواقع ، فيستدل به على الوجود الخارجي ، وإلا فلا ، هكذا قال الإمام فخر الدين . [ ص: 85 ] وهو مبني على أن الألفاظ موضوعة للمعاني الذهنية لا الخارجية ، لكن في كلام الإمام إبهام ، فإنه قال : إذا قيل : العالم حادث ، فمدلوله الحكم بثبوت الحدوث للعالم ، لا نفس الحدوث للعالم ، إذ لو كان مدلوله نفس ثبوت الحدوث للعالم ، لكان حيثما وجدنا قولنا : العالم محدث ، كان العالم محدثا لا محالة ، فوجب أن يكون الكذب خبرا ، ولما بطل ذلك علمنا أن مدلول الصيغة هو الحكم بالنسبة ، لا نفس النسبة . انتهى . واعترض القرافي وصاحب الحاصل " و التحصيل " على قوله : " وإلا لم يكن الكذب خبرا " ، وقالوا : صوابه العكس ، أي لا يكون الخبر كذبا ; لأنه يوهم تحقق الكذب لا بصيغته الخبرية ، والواقع على هذا التقدير ، انتفاء الكذب . قال القرافي : ; لأن الكذب إذا تعذر لا يتصف الخبر أبدا إلا بالصدق فلا يكون كذبا ، وأما الكذب في نفسه فهو متعذر مطلقا ، فلا حاجة إلى قولنا : لا يكون الكذب خبرا ; لأنه يوهم أنه قد يكون غير خبر ، والتعذر في نفسه على هذا التقدير لا يوجد مع الخبر ، ولا مع غيره . وقيل : الصواب عبارة الإمام ، والانتقادات عليهم لا عليه ، أما تقرير عبارته ، فلأن مدلول النسبة لو كان ثبوتيا ، لكان الكذب غير خبر ، لكن اللازم منتف ضرورة ; لأن الكذب أحد قسمي الخبر الذي هو صدق وكذب ، فالملزوم منتف ، وبيان الملازمة أن ثبوت النسبة ووقوعها في الخارج قد يكون الإخبار عنه كذبا ، وهو واضح . [ ص: 86 ]
وأما تبيين فساد عبارتهم ، فإن معنى قولنا : وإلا لم يكن الخبر كذبا ، وليس كذلك ، إذ من الخبر صدق ، كما أن منه كذبا . نعم ، استدلال الإمام على أن مدلوله الحكم بالنسبة لا ثبوتها ، بأنه لو لم يكن كذلك ، لم يكن شيء من الخبر بكذب ، وقد منعالقرافي انتفاء الملازمة ، وادعى أن العرب لم تضع الخبر إلا للصدق ، وسبق الرد عليه .