الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=21552الخبر الذي لو كان صحيحا لتوفرت الدواعي على نقله متواترا ، إما لكونه من أصول الشريعة ، وإما لكونه أمرا غريبا ، كسقوط الخطيب عن المنبر وقت الخطبة . ويتفرع على هذا الأصل مسائل : منها :
nindex.php?page=treesubj&link=21552بطلان النص الذي تزعم الروافض أنه دل على إمامة nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، فعدم تواتره دليل على عدم صحته . قال :
إمام الحرمين : ولو كان حقا لما خفي على أهل بيعة الثقيفة ، ولتحدثت به المرأة على مغزلها ولا بد أن يخالف أو يوافق .
وبهذا المسلك أيضا تبين بطلان قول من يقول : إن القرآن قد عورض ، فإن ذلك لو جرى لما خفي ، والنص الذي تزعم
العيسوية أن في التوراة أن
موسى عليه السلام آخر مبعوث ، ومستند هذا الحكم الرجوع إلى العادة واقتضائها الاشتهار في ذلك ،
والشيعة تخالف في ذلك ، ويقولون : يجوز أن لا يشتهر لخوف أو فتنة ، وهو باطل لما يعلم بالعادة في مثله . وليس من هذا ما قدح به
الروافض علينا ، مثل قولهم : إنه عليه السلام حج مرة واحدة ، واختلف الناس في نفس حجته اختلافا لم يتحصل المختلفون فيه على يقين ، وكذا الاختلاف في فتح
مكة . هل كان صلحا أو عنوة ؟
[ ص: 124 ] وكذا الإقامة في طول عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده يختلفون في تثنيتها وإفراده ، مع أن ذلك مما تتوفر فيه الدواعي على نقله .
قلنا : أمر القران والإفراد والتمتع واضح ; لأنه لما تقرر عند الكل جواز الكل لم يعتنوا بالتفتيش ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلقن الخلق إضافة الحج ، فناقل الإفراد سمعه يلقن غيره ذلك ، وناقل التمتع كذلك . وكذلك فتح
مكة ، نقل أنه على هيئة العنوة والقهر ، وصح أنه لم يأخذ مالا ، وتواتر ذلك . وإنما الخلاف في أحكام جزئية كمصالحة جرت على الأراضي وغيرها مما يتعلق بها منع
nindex.php?page=treesubj&link=27929بيع دور مكة أو تجويزه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11939القاضي أبو بكر : وصورة دخوله عليه السلام متسلحا بالألوية والرايات وبذله الأمان لمن دخل دار
nindex.php?page=showalam&ids=12026أبي سفيان ، ومن ألقى سلاحه واعتصم
بالكعبة غير مختلف فيه ، وإنما استدل بعض الفقهاء على أنه كان صلحا بأنه ودى قوما قتلهم
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد ، ونهيه عن ذلك ، وغير هذا مما يجوز فيه التأويل . وأما الإقامة فتثنيتها وإفرادها ليس من عظائم العزائم ، ولولا اشتهارها بين أصحاب المذاهب ، لم تعلم العامة تفصيلها ، فإنها لا تهمهم ، والعصور تناسخت ، وتعلقت الإقامة بالبدل ، وشعائر الملوك ، ولا كذلك أمر الإمامة ، فإنها من مهمات الدين وتتعلق بعزائم الخطوب ، ويستحيل تقدير
[ ص: 125 ] دثورها على قرب العهد بالرسول . وأما انشقاق القمر فمنهم من أنكره ; لأنه لم يتواتر ، وهو لا تتوفر الدواعي على نقله ، ونقل ذلك عن
الحليمي .
هكذا حكاه عنه
إمام الحرمين وابن القشيري والغزالي ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11939القاضي أبو بكر : إنما لم يتواتر ; لأنه آية ليلية ، تكون والناس نيام غافلون ، وإنما يرى ذلك من ناظره النبي صلى الله عليه وسلم من
قريش ، وصرف همته إلى النظر فيه ، وإنما انشق منه شعبة في مثل طرف القمر ، ثم رجع صحيحا ، وكم من انقضاض ورياح تحدث بالليل ، ولا يشعر بها أحد ، فلهذا لم ينقل ظاهرا ، وإنما يستدل أكثر الناس على انشقاقه بقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقتربت الساعة وانشق القمر } وأنه لو أراد الإخبار عن اقتراب انشقاقه ، لوجب أن يقول : وانشقاق القمر ، ولوجب أن يعرفهم الرسول أن من الآيات المستقبلة انشقاقه . ا هـ .
والحق أنه متواتر وقد رواه خلق من الصحابة ، وعنهم خلق كما أوضحته في تخريج أحاديث المختصر " . ومنها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=20757_21552القراءات الشاذة لا يجوز إثباتها في المصحف ; لأن الاهتمام به من الصحابة الذين بذلوا أرواحهم في إحياء معالم الدين يمنع تقدر درسه ، وارتباط مسائله بلا حاجة . فإن قيل : فلم اختلفوا في البسملة أنها من القرآن أم لا ؟ قيل : لأنه لم يجز دروس رسمها ونظمها ، فلم يكن ; لنقل
[ ص: 126 ] كونها من السور كبير أثر في الدين بعد الاهتمام به ، ولهذا اختلفت معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فمنها ما نقل متواترا ، ومنها ما نقل آحادا مع أنها أعاجيب خارقة للعادة ، وكذا إذا كثرت المعجزات ، وكثرت فيها عسرتهم مثل تشوقهم إلى نقل آحادها ، وكذلك اختلفت الصحابة في القراءات الشاذة ، ولم يهتم
عثمان بجمع الناس على بعض القراءات ، وحرص
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود على ذلك . فإن قيل : يجري ذلك في القرآن ؟ قلنا : لما كان القرآن ركن الدين استوت الأمة في الاعتناء به ، فلم نجز أن ينقل بعضه متواترا وبعضه آحادا مع استواء الجميع في توفر الدواعي على نقله ، بخلاف باقي المعجزات ، فإنهم اعتنوا بنقل ما يبقى رسمه أبد الدهر ، وقد صنف
nindex.php?page=showalam&ids=11939القاضي أبو بكر في هذا النوع كتاب الانتصار " ، وما أعجبه من كتاب ، فقد أزال به الحائك عن صدور المرتابين .
ومنها : لو
nindex.php?page=treesubj&link=21523_21552غص المجلس بجمع كثير ، ونقل كلهم عن صاحب المجلس حديثا ، وانفرد واحد منهم ، وهو ثقة بنقل زيادة ، فذهب بعضهم إلى أنها ترد ، وإلا لنقلها الباقون ، وهو بعيد ، فإن انفراد بعض النقلة بمزيد حفظ لا ينكر ، والقرائح والفطن تختلف ، وليست الروايات مما تتكرر على الألسنة ، حتى لا يشذ شيء منها ، وستأتي المسألة إن شاء الله تعالى ، وبنى بعض الحنفية على هذا الأصل رد أخبار الآحاد فيما تعم به البلوى كمس الذكر ، والجهر بالبسملة ، وستأتي إن شاء الله تعالى . قال
القاضي في التقريب " : وإنما قبلت من الواحد ; لأنه لم يقع الإخبار بها بحضرة من يجب توفر دواعيهم على النقل والإظهار لذلك ، وإنما كان يلقيه إلى الآحاد .
الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=21552الْخَبَرُ الَّذِي لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَتَوَفَّرَتْ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ مُتَوَاتِرًا ، إمَّا لِكَوْنِهِ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ أَمْرًا غَرِيبًا ، كَسُقُوطِ الْخَطِيبِ عَنْ الْمِنْبَرِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ . وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ : مِنْهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=21552بُطْلَانُ النَّصِّ الَّذِي تَزْعُمُ الرَّوَافِضُ أَنَّهُ دَلَّ عَلَى إمَامَةِ nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ، فَعَدَمُ تَوَاتُرِهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ . قَالَ :
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ : وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَمَا خَفِيَ عَلَى أَهْلِ بَيْعَةِ الثَّقِيفَةِ ، وَلَتَحَدَّثَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ عَلَى مِغْزَلِهَا وَلَا بُدَّ أَنْ يُخَالِفَ أَوْ يُوَافِقَ .
وَبِهَذَا الْمَسْلَكِ أَيْضًا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إنَّ الْقُرْآنَ قَدْ عُورِضَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ جَرَى لَمَا خَفِيَ ، وَالنَّصُّ الَّذِي تَزْعُمُ
الْعِيسَوِيَّةُ أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ آخِرُ مَبْعُوثٍ ، وَمُسْتَنَدُ هَذَا الْحُكْمِ الرُّجُوعُ إلَى الْعَادَةِ وَاقْتِضَائِهَا الِاشْتِهَارَ فِي ذَلِكَ ،
وَالشِّيعَةُ تُخَالِفُ فِي ذَلِكَ ، وَيَقُولُونَ : يَجُوزُ أَنْ لَا يَشْتَهِرَ لِخَوْفٍ أَوْ فِتْنَةٍ ، وَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ فِي مِثْلِهِ . وَلَيْسَ مِنْ هَذَا مَا قَدَحَ بِهِ
الرَّوَافِضُ عَلَيْنَا ، مِثْلُ قَوْلِهِمْ : إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَجَّ مَرَّةً وَاحِدَةً ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي نَفْسِ حَجَّتِهِ اخْتِلَافًا لَمْ يَتَحَصَّلْ الْمُخْتَلِفُونَ فِيهِ عَلَى يَقِينٍ ، وَكَذَا الِاخْتِلَافُ فِي فَتْحِ
مَكَّةَ . هَلْ كَانَ صُلْحًا أَوْ عَنْوَةً ؟
[ ص: 124 ] وَكَذَا الْإِقَامَةُ فِي طُولِ عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ يَخْتَلِفُونَ فِي تَثْنِيَتِهَا وَإِفْرَادِهِ ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ فِيهِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ .
قُلْنَا : أَمْرُ الْقِرَانِ وَالْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَاضِحٌ ; لِأَنَّهُ لَمَّا تَقَرَّرَ عِنْدَ الْكُلِّ جَوَازُ الْكُلِّ لَمْ يَعْتَنُوا بِالتَّفْتِيشِ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُلَقِّنُ الْخَلْقَ إضَافَةَ الْحَجِّ ، فَنَاقِلُ الْإِفْرَادِ سَمِعَهُ يُلَقِّنُ غَيْرَهُ ذَلِكَ ، وَنَاقِلُ التَّمَتُّعِ كَذَلِكَ . وَكَذَلِكَ فَتْحُ
مَكَّةَ ، نُقِلَ أَنَّهُ عَلَى هَيْئَةِ الْعَنْوَةِ وَالْقَهْرِ ، وَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مَالًا ، وَتَوَاتَرَ ذَلِكَ . وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَحْكَامٍ جُزْئِيَّةٍ كَمُصَالَحَةٍ جَرَتْ عَلَى الْأَرَاضِي وَغَيْرِهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَنْعُ
nindex.php?page=treesubj&link=27929بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ أَوْ تَجْوِيزُهُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11939الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ : وَصُورَةُ دُخُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُتَسَلِّحًا بِالْأَلْوِيَةِ وَالرَّايَاتِ وَبَذْلُهُ الْأَمَانَ لِمَنْ دَخَلَ دَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=12026أَبِي سُفْيَانَ ، وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ وَاعْتَصَمَ
بِالْكَعْبَةِ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِيهِ ، وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صُلْحًا بِأَنَّهُ وَدَى قَوْمًا قَتَلَهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=22خَالِدٌ ، وَنَهْيُهُ عَنْ ذَلِكَ ، وَغَيْرُ هَذَا مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّأْوِيلُ . وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَتَثْنِيَتُهَا وَإِفْرَادُهَا لَيْسَ مِنْ عَظَائِمِ الْعَزَائِمِ ، وَلَوْلَا اشْتِهَارُهَا بَيْنَ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ ، لَمْ تَعْلَمْ الْعَامَّةُ تَفْصِيلَهَا ، فَإِنَّهَا لَا تَهُمُّهُمْ ، وَالْعُصُورُ تَنَاسَخَتْ ، وَتَعَلَّقَتْ الْإِقَامَةُ بِالْبَدَلِ ، وَشَعَائِرُ الْمُلُوكِ ، وَلَا كَذَلِكَ أَمْرُ الْإِمَامَةِ ، فَإِنَّهَا مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ وَتَتَعَلَّقُ بِعَزَائِمِ الْخُطُوبِ ، وَيَسْتَحِيلُ تَقْدِيرُ
[ ص: 125 ] دُثُورِهَا عَلَى قُرْبِ الْعَهْدِ بِالرَّسُولِ . وَأَمَّا انْشِقَاقُ الْقَمَرِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَاتَرْ ، وَهُوَ لَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ
الْحَلِيمِيِّ .
هَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَالْغَزَالِيُّ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11939الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ : إنَّمَا لَمْ يَتَوَاتَرْ ; لِأَنَّهُ آيَةٌ لَيْلِيَّةٌ ، تَكُونُ وَالنَّاسُ نِيَامٌ غَافِلُونَ ، وَإِنَّمَا يَرَى ذَلِكَ مَنْ نَاظَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
قُرَيْشٍ ، وَصَرَفَ هِمَّتَهُ إلَى النَّظَرِ فِيهِ ، وَإِنَّمَا انْشَقَّ مِنْهُ شُعْبَةٌ فِي مِثْلِ طَرَفِ الْقَمَرِ ، ثُمَّ رَجَعَ صَحِيحًا ، وَكَمْ مِنْ انْقِضَاضٍ وَرِيَاحٍ تَحْدُثُ بِاللَّيْلِ ، وَلَا يَشْعُرُ بِهَا أَحَدٌ ، فَلِهَذَا لَمْ يُنْقَلْ ظَاهِرًا ، وَإِنَّمَا يَسْتَدِلُّ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى انْشِقَاقِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ } وَأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ اقْتِرَابِ انْشِقَاقِهِ ، لَوَجَبَ أَنْ يَقُولَ : وَانْشِقَاقُ الْقَمَرِ ، وَلَوَجَبَ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ الرَّسُولُ أَنَّ مِنْ الْآيَاتِ الْمُسْتَقْبَلَةِ انْشِقَاقَهُ . ا هـ .
وَالْحَقُّ أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ وَقَدْ رَوَاهُ خَلْقٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَعَنْهُمْ خَلْقٌ كَمَا أَوْضَحْته فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْمُخْتَصَرِ " . وَمِنْهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20757_21552الْقِرَاءَاتِ الشَّاذَّةِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا فِي الْمُصْحَفِ ; لِأَنَّ الِاهْتِمَامَ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ بَذَلُوا أَرْوَاحَهُمْ فِي إحْيَاءِ مَعَالِمِ الدِّينِ يَمْنَعُ تَقَدُّرَ دَرْسِهِ ، وَارْتِبَاطَ مَسَائِلِهِ بِلَا حَاجَةٍ . فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ اخْتَلَفُوا فِي الْبَسْمَلَةِ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ أَمْ لَا ؟ قِيلَ : لِأَنَّهُ لَمْ يَجُزْ دُرُوسُ رَسْمِهَا وَنَظْمِهَا ، فَلَمْ يَكُنْ ; لِنَقْلِ
[ ص: 126 ] كَوْنِهَا مِنْ السُّوَرِ كَبِيرُ أَثَرٍ فِي الدِّينِ بَعْدَ الِاهْتِمَامِ بِهِ ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَتْ مُعْجِزَاتُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، فَمِنْهَا مَا نُقِلَ مُتَوَاتِرًا ، وَمِنْهَا مَا نُقِلَ آحَادًا مَعَ أَنَّهَا أَعَاجِيبُ خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ ، وَكَذَا إذَا كَثُرَتْ الْمُعْجِزَاتُ ، وَكَثُرَتْ فِيهَا عُسْرَتُهُمْ مِثْلُ تَشَوُّقِهِمْ إلَى نَقْلِ آحَادِهَا ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي الْقِرَاءَاتِ الشَّاذَّةِ ، وَلَمْ يَهْتَمَّ
عُثْمَانُ بِجَمْعِ النَّاسِ عَلَى بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ ، وَحَرَصَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ عَلَى ذَلِكَ . فَإِنْ قِيلَ : يَجْرِي ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ ؟ قُلْنَا : لَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ رُكْنَ الدِّينِ اسْتَوَتْ الْأُمَّةُ فِي الِاعْتِنَاءِ بِهِ ، فَلَمْ نُجِزْ أَنْ يُنْقَلَ بَعْضُهُ مُتَوَاتِرًا وَبَعْضُهُ آحَادًا مَعَ اسْتِوَاءِ الْجَمِيعِ فِي تَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ ، بِخِلَافِ بَاقِي الْمُعْجِزَاتِ ، فَإِنَّهُمْ اعْتَنَوْا بِنَقْلِ مَا يَبْقَى رَسْمُهُ أَبَدَ الدَّهْرِ ، وَقَدْ صَنَّفَ
nindex.php?page=showalam&ids=11939الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي هَذَا النَّوْعِ كِتَابِ الِانْتِصَارِ " ، وَمَا أَعْجَبَهُ مِنْ كِتَابٍ ، فَقَدْ أَزَالَ بِهِ الْحَائِكَ عَنْ صُدُورِ الْمُرْتَابِينَ .
وَمِنْهَا : لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=21523_21552غَصَّ الْمَجْلِسُ بِجَمْعٍ كَثِيرٍ ، وَنَقَلَ كُلُّهُمْ عَنْ صَاحِبِ الْمَجْلِسِ حَدِيثًا ، وَانْفَرَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ، وَهُوَ ثِقَةٌ بِنَقْلِ زِيَادَةٍ ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهَا تُرَدُّ ، وَإِلَّا لَنَقَلَهَا الْبَاقُونَ ، وَهُوَ بَعِيدٌ ، فَإِنَّ انْفِرَادَ بَعْضِ النَّقَلَةِ بِمَزِيدِ حِفْظٍ لَا يُنْكَرُ ، وَالْقَرَائِحُ وَالْفِطَنُ تَخْتَلِفُ ، وَلَيْسَتْ الرِّوَايَاتُ مِمَّا تَتَكَرَّرُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ ، حَتَّى لَا يَشِذَّ شَيْءٌ مِنْهَا ، وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَبَنَى بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ رَدَّ أَخْبَارِ الْآحَادِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى كَمَسِّ الذَّكَرِ ، وَالْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ ، وَسَتَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . قَالَ
الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ " : وَإِنَّمَا قُبِلَتْ مِنْ الْوَاحِدِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْإِخْبَارُ بِهَا بِحَضْرَةِ مَنْ يَجِبُ تَوَفُّرُ دَوَاعِيهِمْ عَلَى النَّقْلِ وَالْإِظْهَارِ لِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا كَانَ يُلْقِيهِ إلَى الْآحَادِ .