ومنها أن ، يروي عنه من لا يروي عن غير العدل ، كيحيى بن سعيد القطان ، وشعبة ، فإنه يكون تعديلا ، على المختار عند ومالك إمام الحرمين ، وابن القشيري ، والغزالي ، والآمدي ، والهندي ، والباجي وغيرهم لشهادة ظاهر الحال ، وإليه ذهب ، البخاري في صحيحيهما وقال ومسلم المازري : هو قول الحذاق ، وهذا على قولنا : لا حاجة لبيان سبب التعديل ، فإن روى عنه من لم يشترط الرواية عن العدل ، فليس بتعديل . لأنا رأيناهم يروون عن أقوام ، ويجرحونهم لو سئلوا عنهم . [ ص: 172 ]
قال ابن دقيق العيد : نعم ، هاهنا أمر آخر وهو النظر في الطريق التي منها يعرف كونه لا يروي إلا عن عدل ، فإن كان ذلك بتصريحه فهو أقصى الدرجات ، وإن كان ذلك باعتبارنا بحاله في الرواية ، ونظرنا إلى أنه لم يروه من عرفناه إلا عن عدل ، فهذا دون الدرجة الأولى . وهل يكتفى بذلك في قبول روايته عمن لا نعرفه ؟ فيه وقفة لبعض أصحاب الحديث ممن قارب زماننا زمانه ، وفيه تشديد . ا هـ . وقال المازري : نعرف ذلك من عادته ، وقال إلكيا الطبري : يعرف ذلك بإخباره صريحا ، أو عرفناه بالقرائن الكاشفة عن سيرته . قال : وجرت عادة المحدثين في التعديل أن يقولوا : فلان عدل ، روى عنه ، أو مالك الزهري ، أو هو من رجال الموطإ ، أو من رجال الصحيحين . والتحقيق في هذا أنه إن جرت عادته بالرواية عن العدل وغيره فليست روايته تعديلا ، وكذلك إذا لم يعلم ذلك من حاله ، فإن من الممكن روايته عن رجل لم يعتقد عدالته ، حتى إذا استقرى أحواله ، وعرف عدالته ببينة ، فلا يظهر بذلك عدالة المروي عنه ، وإن اطردت عادته بالرواية عمن عدله ، ولا يروي عن غيره أصلا ، فإن لم يعلم مذهبه في التعديل ، فلا يلزمنا اتباعه ; لأنه لو صرح بالتعديل لم يقبل ، فكيف إذا روي ، وإن علمنا مذهبه في التعديل ، ولم يكن موافقا لمذهبنا ، لم يعتمد تعديله وروايته عنه ، وإن كان موافقا عمل به . ا هـ .
وقيل : الرواية تعديل مطلقا ; لأنه لو كان عنده غير عدل لكان روايته عنه مع السكوت عبثا . وظاهر العدل التقي الاحتراز عن ذلك ، حكاه وغيره ، ثم قال : وقد لا يعلمه بعدالة ولا جرح ، وحكاه الخطيب أبو الحسين بن القطان ، عن وابن فورك في هذا ، وفي الشهادة على الشهادة أنه يجوز ، وإن لم يذكره بالعدالة ; لأن الظاهر أنه على العدالة ، حتى يعلم خلافها ، قالا : وهذا غلط ; لأنه يجوز [ ص: 173 ] أن يكون عنده عدلا ، وعند غيره ليس بعدل ، وقيل : ليس بتعديل مطلقا ، كما أن تركها ليس بجرح ، وبه جزم القاضي إسماعيل بن إسحاق الماوردي والروياني وأبو الحسين بن القطان في كتابه ، وحكي عن أكثر أهل الحديث ، وقال القاضي في " التقريب " : إنه قول الجمهور ، وإنه الصحيح . قال : والأقرب فيه رواية العدل الواحد عنه ، أو رواية العدول الكثير في أنها غير تعديل له . قلت : ويخرج من تصرف في مسنده " التعديل إذا روى عنه كثير من العدول ، فوجب إثبات قول بالتفصيل . البزار
فائدة : [ ] ذكر المحدثون الذين لا يروون إلا عن عدول الذين عادتهم لا يروون إلا عن عدول ثلاثة : ابن عبد البر ، شعبة ، ومالك ويحيى بن سعيد ، وذكر عن الخطيب ذلك ، وذكره عبد الرحمن بن مهدي وزاد عليه : البيهقي ، مالك ويحيى . قال : وقد يوجد في رواية بعضهم الرواية عن بعض الضعفاء لخفاء حاله ، كرواية عن مالك . عبد الكريم بن أبي المخارق