[ ص: 353 ] فصل [ تحرير مذهب في العمل بالمرسل ] . وأما تحرير مذهب الشافعي ، فإن النقل قد اضطرب عنه ، فنقل الشافعي عنه أنه لا يرى القاضي أبو بكر إلا عند شريطة أن يسنده عمن أرسله ، أو يعمل به صاحبه ، أو العامة ، أو أن المرسل لا يرسل إلا عن ثقة ، ولهذا استحسن مراسيل العمل بالمراسيل سعيد . وذكر إمام الحرمين عن أنه لا يرد المرسل مطلقا ، ولكن يتطلب فيه مزيد تأكيد ، ليحصل غلبة الظن في الثقة ، واستنبط هذا من مذهبه في قبول مراسيل الشافعي ، واستحسانه مراسيل سعيد بن المسيب الحسن ، وهذا ما اختاره إمام الحرمين ، ورأى أن ، وإن قال : حدثني رجل ، توقف عنه . وكذلك إذا قال الإمام الراوي : قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا بالغ في ثقة من روى له . قال : وقد عثرت في كلام الراوي الموثوق به ، العالم بالجرح والتعديل إذا قال : حدثني من أثق به وأرضاه ، يوجب الثقة بحديثه على أنه إذا لم يجد إلا المرسل مع الإقرار بالتعديل على الإجمال ، فإنه يعمل به ، فكان إضرابه عن المرسل في حكم تقديم المسانيد عليها . ا هـ . وهذا الذي حكاه الإمام عن الشافعي غريب ، وهو شيء ضعيف ، ذكره الشافعي الماوردي أيضا . وقد تناهى ابن السمعاني في الرد عليه . وقال : هذا عندي خلاف مذهب ، وقد أجمع كل من نقل عنه هذه المسألة من الشافعي العراقيين والخراسانيين أن على أصله لا يكون المرسل حجة معه بحال . قال : وأنا لا أعجب من إن كان ينصر القول بالمرسل [ ص: 354 ] فإنه كان مالكي المذهب ، ومن مذهب أبي بكر الباقلاني قبول المراسيل . ا هـ . مالك
وكذا قال ابن الصباغ في العدة " : المرسل لا يكون حجة عند ، وأما احتجاجه بخبر الشافعي في بيع اللحم بالحيوان ، فقيل : لأنه عرف أنه لا يرسل إلا عن الصحابة . وقيل : إن المسند وغيره سواء ، وإنما ذكره سعيد بن المسيب لقوله عما أسنده غيره . قال : وبهذا قال أكثر أصحابنا . ونحوه قول الشافعي ابن أبي حاتم الرازي في قول : ليس المنقطع بشيء ، ما عدا منقطع الشافعي . قال سعيد بن المسيب : يعني ما عدا منقطع أبو محمد ، فإنه يعتبر به . ا هـ . فلم يحمل قول ابن المسيب على أنه يحتج بمرسل الشافعي سعيد ، بل على أنه يعتبر به خاصة . وأما الغزالي فأطلق في المستصفى " أن المرسل مردود عند الشافعي . قال : وهو المختار . والقاضي
وقال في المنخول " المراسيل مردودة عند إلا مراسيل الشافعي ، والمرسل الذي عمل به المسلمون . ثم قال : وقال سعيد بن المسيب ثبت أن مذهب القاضي أبو بكر قبول المراسيل ، فإنه قال في المختصر " أخبرني الثقة ، وهو المرسل بعينه ، وقد أورده بنقل عنه ويعتقده ، فيعتمد مذهبه ، وعن هذا قبل مراسيل الشافعي سعيد . قال القاضي : والمختار عندي أن قبل ، فأما الفقهاء والمتوسعون في كلامهم ، فقد يقولونه لا عن ثبت ، فلا يقبل منهم . [ ص: 355 ] ومن قبل هذا قال : هذا مقبول من الإمام العدل إذا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أخبرني الثقة ، الحسن البصري ، فلا يقبل في زماننا هذا ، وقد كثرت الرواية ، وطال البحث ، واتسعت الطرق ، فلا بد من ذكر اسم الرجل . قال والشافعي الغزالي : والأمر على ما ذكره القاضي ، إلا في هذا الأخير ، فإنا لو صادفنا في زماننا متقنا في نقل الأحاديث مثل قبلنا قوله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختلف ذلك بالأعصار . ا هـ . مالك
وما حكاه عن القاضي غريب ، والذي رأيته في كتاب التقريب " له التصريح بأنه لا يقبل المرسل مطلقا ، حتى مراسيل الصحابة ، لا لأجل الشك في عدالتهم ، ولكن لأجل أنهم قد يروون عن تابعي ، إلا أن يخبر عن نفسه بأنه لا يروي إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عن صحابي ، فحينئذ يجب العمل بمرسله ، ونقل مثل ذلك عن أنه رد المراسيل ، وقال بها بشروط أخر . وقال في آخر الشروط : فاستحب قبولها إذا كانت كذلك ، قال : ولا يستطيع أن يزعم أن الحجة ثبتت بها ثبوتها بالمتصل ، فنص بذلك على أن قبولها عند تلك الشروط مستحب غير واجب . هذا لفظه . الشافعي
وقال إلكيا الطبري : قبل مرسل الشافعي سعيد دون غيره ، ثم قال : إذا تبين من حال المرسل أنه لا يروي إلا عن صحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو عن رجل تتفق المذاهب على تعديله ، صار حجة . قال : وهذا معنى قول : أقبل من المراسيل ما أرسله كل معتبر من الأئمة ، وهذا تصريح بما قلناه . انتهى . وقال الشافعي ابن برهان في الوجيز " : مذهب أن المراسيل لا يجوز الاحتجاج بها إلا مراسيل الشافعي ، ومراسيل الصحابة ، وما انعقد الإجماع على العمل به ، خلافا سعيد بن المسيب . لأبي حنيفة