[ ص: 297 ] نسبة الأسماء إلى المسميات فصل في
الاسم والمسمى إما أن يتحدا أو يتكثرا ، أو يتكثر الاسم ويتحد المسمى أو عكسه . أربعة أقسام :
الأول : أن يتحدا فإن كان نفس تصور ذلك العين يمنع من وقوع الشركة فيه فهو الجزئي ، وإن لم يمنع وكان الاشتراك واقعا فيه بالفعل وعلى السوية ، فمتواطئ وإلا فمشكك .
فالمتواطئة : هي الألفاظ الدالة على الأعيان المتغايرة بالعدد المتفقة في المعنى الذي وضع اللفظ له ، كدلالة لفظ الإنسان على زيد وعمرو وبكر ، ودلالة لفظ الحيوان على الإنسان والفرس والحمار ، ومنه دلالة اللمس على القبلة ، وعلى الجماع وعلى غيرها من أنواعه ، ودلالة اللون على السواد والبياض وعلى غيرها من أنواعه .
الثاني : أن يتكثرا فهي الألفاظ المتباينة كالإنسان والفرس وغير ذلك من الألفاظ المختلفة الموضوع لمعان متعددة ، وذلك إما أن تتباين بذاتها أي يمتنع اجتماعها كالسواد والبياض والإنسان والحجر أو تتباين بصفاتها مع إمكان اجتماعها بأن يكون بعضها اسما للذات ، وبعضها اسما لها ، إذا اتصفت بصفة خاصة كالسيف والصارم ويسمى المزايلة ، وقد يكون بعضها اسما للصفة وبعضها اسما لصفة الصفة كالناطق بالفعل والفصيح وسميت متباينة من البين الذي هو التباعد ، لأن مسمى هذا غير مسمى [ ص: 298 ] ذاك ، أو من البين الذي هو الفراق ، لمفارقة كل واحد من الآخر لفظا ومعنى . الثالث : أن يتعدد اللفظ ويتحد المعنى ، فهي المترادفة كالإنسان والبشر .
قال النحوي : وإنما يكون في الأجناس لا الأعلام . انتهى . واشتقاقه من ردف الدابة ، يشبه اجتماع الراكبين على معنى واحد باجتماع الراكبين على دابة واحدة ، ثم إن اتحد مسماها ظهر الترادف ، وإن اختلف بوجه من الوجوه فلا ترادف ، وقد يخفى وجه الاختلاف فيقع الغلط ، ومما اعتبره بعضهم في هذا النظر في الاشتقاق اللفظي ، ويجعل التباين واقعا فيه ، ومن ثم أنكره بعضهم كما سيأتي . ابن خروف
الرابع : عكسه ، فإما أن يكون قد وضع للكل أي : لكل واحد من تلك المعاني أو لا .
والأول : المشترك كالعين لمدلولاتها المتعددة .
والثاني : أن لا يوضع لكل واحد بل لمعنى ، ثم ينتقل إلى غيره ، فإما أن ينتقل لعلاقة أو لا ، فإن لم ينتقل لعلاقة فهو المرتجل ، قاله الإمام ، وهو مخالف لاصطلاح النحاة ، فإن المرتجل عندهم هو الذي لم يسبق بوضع ، كغطفان مأخوذ من قولهم : شعر مرتجل أي لم يسبق بفكر مأخوذ من الرجل ، لأنه إذا لم يسبق بفكر متأمله كالواقف على رجل ، فإنه لا يتمكن من النظر ، وإن نقل لعلاقة فإما أن تقوى في الثاني أو لا .
والأول : المنقول ، ثم إن كان الناقل الشرع كالصلاة سمي بالألفاظ الشرعية ، أو العرف العام فالعرفية ، أو الخاص كاصطلاح النحاة على المبتدأ والخبر سمي [ ص: 299 ] بالاصطلاحية ، وإنما أطلق على هذا نقلا ، لأن الألفاظ لا تبقى زمنين ، وما لا يقبل البقاء لا يقبل التحويل ، ولكن لما وضع لشيء ثم استعمل في غيره حتى غلب عليه ، فكأنه قد حول من موضع إلى موضع .
والثاني : وهو أن لا يكون دلالة اللفظ على المنقول إليه أقوى من دلالته على المنقول عنه ، فإن الأول يسمى بالنسبة إلى استعماله في الأول حقيقة ، والثاني مجازا .
وقال بعضهم : المجاز ثلاثه أقسام ، لأن استعمال اللفظ في غير موضوعه إن لم يكن لمناسبة بينه وبين ما وضع له فهو المرتجل ، وإن كان فإن لم يحسن فيه أداة التشبيه فهو الاستعارة ، وإن حسن ذلك فهو مجاز التشبيه ، وفائدة المرتجل التوسع في الكلام . واعلم أن الأقسام الأول المتحدة المعنى نصوص ، لأن لكل لفظ منها فردا معينا لا يحتمل غيره ، وقولنا : المتحدة المعنى يخرج العين والقرء ، فإنها متباينة مع أنها ليست بنصوص لأجل الاشتراك ، وأما القسم الرابع فإما أن تكون دلالته على كل واحد من المعاني على السواء أي : متساويان في الفهم ، فليس اللفظ بالنسبة إليهما معا مشتركا وبالنسبة إلى كل واحد بعينه مجملا ، وإلا فإن كانت دلالته على بعضها أرجح فالطرف الراجح ظاهر لما فيه من الظهور بالنسبة إلى أحد معنييه ، وقد سماه أيضا نصا لملاحظة المعنى اللغوي ، والمرجوح مؤول ، لأنه يئول إلى الظهور عند مساعدة الدليل ، فقوله صلى الله عليه وسلم : { الشافعي } ظاهر في نفي [ ص: 300 ] الإجزاء راجح ، وهو مرجوح في نفي الكمال والقدر المشترك بين النص والظاهر من الرجحان يسمى المحكم لإحكام عبارته وإثباته ، فالمحكم جنس لنوعي النص والظاهر ، ومقابلهما المجمل والمؤول ، والقدر المشترك بينهما من عدم الرجحان يسمى المتشابه ، فهو جنس لنوعي المجمل والمؤول . وأصل هذا الاصطلاح مأخوذ من قوله تعالى : { لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } .
`