الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ الشرط ] الخامس : الفهم

                                                      والمعنى فيه كما قال صاحب القواعد " : إن الإتيان بالفعل على سبيل القصد والامتثال يتوقف على العلم به ، وهو ضروري فيمتنع تكليف الغافل كالنائم والناسي لمضادة هذه الأمور الفهم ، فينتفي شرط صحة التكليف ، وهذا بناء على امتناع التكليف بالمحال ، ولقوله صلى الله عليه وسلم ، { رفع عن أمتي الخطأ والنسيان } .

                                                      وأما إيجاب العبادة على النائم والغافل فلا يدل على الإيجاب حالة النوم والغفلة ، لأن الإيجاب بأمر جديد ، فإن قيل : فالنائم يضمن ما يتلفه في نومه ؟ قلنا : الخطاب إنما يتعلق به عند استيقاظه ، وهو منتف عنه حالة النوم ، ولهذا قالوا : لو أتلف الصبي شيئا ضمنه مع أنه ليس بمكلف .

                                                      وقال القفال في الأسرار " : النهي لا يلاقي الساهي ، إذ لا يمكنه [ ص: 65 ] التحرز منه ، وإنما لزمه بسجود السهو وكفارة الخطأ لكون الفعل محرما في نفسه من حيث إنه محظور عقده إلا أنه في نفسه غير منهي عنه في هذه الحالة .

                                                      وقال ابن الصلاح : ما قاله الأصوليون من أن الساهي لا يدخل تحت الخطاب لا ينافيه تحنيث الفقهاء له في اليمين على أحد القولين ، فإن تحنيثه ليس من قبيل التكليف بل من خطاب الوضع ، وهذا يثبت في حق المكلف وغيره كالصبي .

                                                      وقال صاحب الذخائر " : من زال عقله بالنوم وطبق الوقت ، فهو غير مخاطب بتلك الصلاة .

                                                      وصار بعض الفقهاء إلى تكليف النائم في بعض الأحكام ، فإن عنوا به ضمان المتلفات ونحوه فالمجنون غير مخاطب إجماعا ، ويجب عليه ذلك ، ثم قال : فإن قيل : لم أوجبتم القضاء عليه ؟ قلنا : للأمر الجديد قال : والحكم في الساهي والجاهل كالنائم . قال ابن الرفعة : وكلام الشيخ أبي إسحاق ينازع فيه . [ ص: 66 ]

                                                      وقال ابن برهان في الأوسط " : النائم والمغمى عليه والحائض والنفساء والمريض والمسافر هل يخاطبون أم لا ؟ ذهب كافة الفقهاء من أصحابنا والحنفية إلى أنهم مخاطبون ، ونقل عن المتكلمين من أصحابنا أنهم لا يخاطبون .

                                                      قال : والمراد بالخطاب عند الفقهاء ثبوت الفعل في الذمة ولما لم يتصور المتكلمون هذا منعوه . ا هـ .

                                                      قال بعضهم : ونسيان الأحكام بسبب قوة الشهوات لا يسقط التكليف ، كمن رأى امرأة جميلة ، وهو يعلم تحريم النظر إليها فنظر إليها غافلا عن تحريم النظر . وكذا القول في الغيبة والنميمة والكبر والفخر وغيره من أمراض القلوب .

                                                      وقال الصيرفي : الخطأ والنسيان لا يقع الأمر فيه ولا النهي عنه ، لامتناع الأمر بما لا يهيأ قصد ، لأنه لو قصد تركه لم يكن ناسيا له ، والمرتفع إنما هو الإثم ، لقوله تعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } وقال صلى الله عليه وسلم ، { رفع عن أمتي الخطأ والنسيان } وكل ما أخطأت بينك وبين ربك فغير مؤاخذ به ، وأما الخطأ المتعلق بالعباد فيضمنه ، ولهذا يستوي فيه البالغ العاقل وغيره .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية