[ التنبيه ] الخامس [ جريان الخلاف في خطاب التكليف    ] 
إن الخلاف جار في خطاب التكليف بأسره ، فكل واجب أو محرم هو من محل الخلاف وكذا المندوب والمباح بمعنى أن كل ما أبيح فهو مباح في حقهم عند من يرى شمول الخطاب لهم . واستشكل بعضهم تعلق الإباحة بهم إذا قلنا بتكليفهم ، وقلنا : الإباحة تكليف ، فإنه حكى الإجماع على أنه لا يجوز للمكلف الإقدام على فعل وإن كان مباحا في نفس الأمر حتى يعلم حكم الله فيه ، والكفار لا يعتقدون حكم الله فيه حكما صحيحا ، لأنهم يستندون فيه إلى شرعنا اللازم لنا ولهم ، وشرعهم منسوخ . 
ومقتضى هذا البحث أن يأثموا في جميع أفعالهم حتى يؤمنوا ، وفي كلام  الشافعي  عن بعض أهل العلم ما يشهد له . 
أما خطاب الوضع : فمنه ما يرجع إليه لكون الطلاق سببا لتحريم الزوجة ، فكذلك ، ومنه ما يكون من باب الإتلافات والجنايات فلا يجري فيها الخلاف بل هي أسباب للضمان بالإجماع ، وكذا ثبوت الدين في ذمتهم من هذا النوع ، ووجوب الحدود عليهم . 
والحدود إنما تكون كفارة للمسلمين كما صرح به  الشافعي  ، والكافر  [ ص: 143 ] ليس من أهل الأجر والثواب ، وإنما هي في حقه كالدين اللازم ، ولهذا تجب عليه كفارة الظهار ونحوها ، وينبغي أن يكون الطلاق والأيمان من هذا القبيل . كذا قاله بعض المتأخرين . 
قلت    : ولا تصح دعوى الإجماع في الإتلاف والجناية بل الخلاف جار في الجميع . وقد سبق عن الأستاذ أبي إسحاق    : أن الحربي إذا قتل مسلما أو أتلف عليه مالا ثم أسلم أنه يجب عليه ضمانها إذا قلنا : الكفار مخاطبون بالفروع . ونقلوا وجهين أيضا فيما لو دخل الكافر الحرم وقتل صيدا هل يضمنه ؟  أصحهما : نعم . قال صاحب الوافي " : وهما شبيهان بالوجهين في تمكينه من المسجد إن كان جنبا . يعني نظرا لعقيدته ، بل قال إمام الحرمين  في " الأساليب " من كتاب السير : إن الكفار إذا استولوا على مال المسلمين فلا حكم لاستيلائهم ، وأعيان الأموال لأربابها ، وكأنهم في استيلائهم وإتلافهم كالبهائم . 
قال : ومن تقويم هذه المسألة على الخلاف في تكليفهم بالفروع . 
وقال : هم منهيون عن استيلائهم . ا هـ . 
ثم قال هذا المتأخر : ومنه الإرث والملك به ، ولولا ذلك لما ساغ بيعهم لوارثهم وما يشترونه ، ولا معاملتهم وكذا صحة أنكحتهم إذا صدرت على الأوضاع الشرعية ، والخلاف في ذلك لا وجه له . 
ومنه كون الزنا سببا لوجوب الحد وذلك ثابت في حقهم ، ولهذا رجم النبي صلى الله عليه وسلم اليهوديين ، ولا يحسن القول ببناء ذلك على تكليفهم بالفروع ، فإنه كيف يقال بإسقاط الإثم عنهم فيما يعتقدون تحريمه لكفرهم ؟ وقد تقدم عن الأستاذ  حكاية الإجماع أن خطاب الزواجر من الزنا والقذف يتوجه عليهم . 
وأما تعلق الزكاة بأموالهم : قلنا : خلاف هل هو تعلق رهن أو جناية  [ ص: 144 ] أو شركة ؟ وهو الأصح ، فالظاهر أنه لا يثبت في حقهم . وإن قلنا : إنهم مخاطبون بالزكاة ، لأن المقصود تأثيمهم بتركها لا أخذها منهم حالة كفرهم ، والتعلق المذكور إنما يقصد به تأكد الوجوب لأجل أخذ النصاب الواجب عن الضياع فلا معنى لإبقائه في حق الكافر ، لأنه إن دام على الكفر لم يؤخذ منه ، وإن أسلم سقطت ، وما كان كذلك فلا معنى للتعلق الذي هو يوثقه فيه ، والموجود في حق الكافر إنما هو الأمر بأدائها وهذا مشترك بينهم وبين المسلمين ، وثبوتها في الذمة قدر زائد على ذلك قد يقال به في الكافر أيضا ، وإثبات تعلقها بالدين أمر ثالث يختص بالمسلم ، ولأن المعتمد في ثبوت الشركة قوله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم    } ولا يدخل الكافر في ذلك . 
والحاصل : أن الأدلة تنقسم إلى ما يتناولهم نحو { يا أيها الناس    } إذا قلنا بتكليفهم بالفروع ، وإلى ما لا يتناولهم نحو { يا أيها الذين آمنوا    } ونحوه فلا يتناولهم لفظا ولا يثبت حكمها لهم إلا بدليل منفصل . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					