مسألة [ ورود المهمل في القرآن    ] 
لا يجوز أن يرد في القرآن ما ليس له معنى أصلا ، لأنه مهمل ، والباري سبحانه منزه عنه ، أو له معنى ولكن لا يفهم ، أو يفهم لكن أريد به غيره خلافا ، ولهذا أولوا آيات الصفات على مقتضى ما فهموه . 
قال الغزالي    : ولا يقال : إن فائدته في مخاطبة الخلق بما لا يفهمونه ،  [ ص: 198 ] لأنا نقول : المقصود به تفهيم من هو أهل له ، وهم الأنبياء والراسخون في العلم وقد فهموه ، وليس من شرط من يخاطب العقلاء بكلام أن يخاطبهم بما يفهم الصبيان والعوام بالإضافة إلى العارفين بل على من لم يفهم أن يسأل من له أهلية الفهم كما قال تعالى : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون    } . 
وأما الحروف التي في أوائل السور  فقد اختلفوا فيها على نيف وثلاثين قولا ، فقيل : إنما أسماء للسور . 
وقيل : ذكرها الله لجمع دواعي العرب  إلى الاستماع ، لأنها تخالف عادتهم فتوقظهم عن الغفلة حتى تصرف قلوبهم إلى الإصغاء ، فلم يذكرها لإرادة معنى . 
وقيل : إنما ذكرها كناية عن سائر حروف المعجم التي لا يخرج عنها جميع كلام العرب  تنبيها على أنه ليس يخاطبهم إلا بلغاتهم وحروفهم . 
وقال  ابن عباس    : كل حرف منها مأخوذ منها اسم من أسماء الله ، فالكاف من كاف ، والهاء ، من هاد ، والعين من عليم ، والصاد من صادق ، فكأنه تعالى قال لنبيه : أنا كافيك وهاديك . 
وقيل : إن الله تعالى أنزل هذه الأحرف إبطالا لحساب اليهود  ، فإنهم كانوا يحسبون هذه الأحرف حالة نزولها ويردونها إلى حساب الجمل ، ويقولون : إن منتهى دولة الإسلام كذا ، فأنزل الله هذه الأحرف تخبيطا للحساب عليهم .  [ ص: 199 ] 
وقيل : ذكرها الله جريا على عادة العرب  في ذكر النسيب في أوائل الخطب والقصائد ، ولهذا اختصت بالأوائل . وقيل : غير ذلك . 
واعلم أن الرازي  ترجم المسألة في المحصول بأنه يجوز أن يتكلم الله ورسوله بشيء ، ولا يعني به شيئا ، ثم استدل بما يقتضي أن الخلاف في التكلم بما لا يفيد ، وبينهما فرق ، فإنه يمكن أن يعني به شيئا ، وهو يفيد في نفسه ، ويمكن أن يفيد ولا يعني به شيئا ، فمحل النزاع غير منقح ، لأن في كلام القاضي عبد الجبار  وأبي الحسين  في " المعتمد " نصب الخلاف في أنه هل يجوز أن يتكلم الله بشيء ولا يعني به شيئا ؟  وقال الأصفهاني    : والحق أرجو أن الكلام بما لا يعني به مفرع على التحسين والتقبيح العقليين ، ووجهه ظاهر ، ثم قال : وحينئذ فيسهل المنع على مذهب المعتزلة  أما على رأي الأشاعرة  ، فكيف يستقيم لهم المنع مع أنهم لا يقولون التحسين والتقبيح العقليين ؟ 
قلت : لا جرم جزم ابن برهان  بالجواز ، فقال : يجوز عندنا أن يشتمل كلام الله على ما لا يفهم معناه . ثم نقل عن بعضهم أنه لا يجوز ، ثم تمسك بأسماء السور . 
قال : ومعلوم أنا لا نفهم معانيها ، وقد تعبدنا بها ، وخرج من كلامه أن الخلاف في أنه هل يجوز أن يشتمل كلام الله على ما لا يفهم معناه أم لا ؟ وهذا خلاف ما سبق من أن الخلاف في أنه لا يعني به شيئا فإما أن يكونا مسألتين وهو الظاهر ويرتفع التخليط من كلامهم .  [ ص: 200 ] 
وفصل ابن برهان  فقال : ما يتعلق بالتكليف فلا بد أن يكون معلوما عندنا وإلا لأدى إلى تكليف المحال ، وبين ما لا يتعلق به هل يجوز أن يشمل الكتاب عليه وإن كان لا يفهم معناه ؟ وسلك الأصفهاني  في تصوير موضع الخلاف بأنه لا يخلو إما أن يكون المراد الكلام اللساني أو النفساني ، فإن كان النفساني فيستحيل أن لا يكون له معنى ، وإن كان اللساني فجوازه ، لأنه من قبيل الأفعال ، ويجوز عندنا أن يفعل ما يهدي به ويضل به ، وأن يفعل ما لا يضل به ولا يهدي به . 
				
						
						
