[ ص: 304 ] [ ] أقسام الكلام باعتبار ما يترتب عليه من المعنى
وينقسم الكلام باعتبار ما يترتب عليه من المعنى إلى أقسام ثلاثة : لأنه إما أن يفيد طلبا بالوضع أو ، لا ، والأول إن كان الطلب لذكر ماهية الشيء فهو الاستفهام كقولك ما هذا ؟ ومن هذا ؟ وإن كان لتحصيل أمر من الأمور فإن كان مع الاستعلاء فأمر ، أو مع التساوي فالتماس ، أو مع التسفل فدعاء .
والثاني : إما أن يحتمل الصدق والكذب أو لا ، والأول الخبر والثاني التنبيه ، ويندرج فيه التمني والترجي والقسم والنداء ، ويسمى الخبر قضية ، لأنك قضيت فيها بأحدهما على الآخر ، ويسمى الأول من جزئيها محكوما عليه ، والآخر محكوما به ، والمنطقيون يسمون الأول موضوعا والثاني محمولا .
ثم القضية إما كلية أو جزئية أو صالحة لهما ، وتسمى المهملة ، وصدقها على الجزئي ضروري ، فأما صدقها على الكلي فمنعه المنطقيون .
وأما لغة العرب فتقتضي الحكم عليه بالاستغراق ، وعليه جرى الأصوليون ، وما ذكرناه من كون النداء من جملة أقسام الإنشاء لا شك فيه ، وزعم النحوي أن قولهم في القذف : يا فاسق يا زاني مما يدخله الصدق والكذب ، وغلطوه بأن التكذيب لا يرد على النداء ، إذ لا فرق بين نداء الاسم والصفة فيما يرجع إلى حقيقة التذكير ، وإنما يرد على أنه ليس فيه تلك الصفة نفسها ، وذلك غير النداء ، ونحوه قول ابن بابشاذ ابن برهان : في " الغرة " إذا ناديت وصفا فالجملة خبرية ، وإذا ناديت اسما فالجملة ليست بخبرية ، ولهذا لو قال : يا زانية وجب الحد . نعم اختلفوا في ناصب المنادى ، فقيل : فعل مضمر أي أدعو زيدا ، وفيه نظر لأنه إخراج النداء إلى باب الإخبار الذي يدخله الصدق والكذب ، وقيل : الحرف ، وهو " يا " [ ص: 305 ] لأنه صار بدلا من الفعل المحذوف بدليل أنها أميلت .
وقال العبدري : " يا " اسم فعل فنصبت كنصبه ، لأن " يا " اسم لقولك أنادي كما أن " أف " اسم لقولك : أتضجر ، ورد بأن " أنادي " خبر وليس " يا " بخبر ، ومن شرط اسم الفعل أن يوافقه في قبول الصدق والكذب وعدمه . وقد خطأ الإمام فخر الدين في تفسيره في أوائل البقرة من فسر قولنا : يا زيد بأنادي من وجوه ، حاصلها يرجع إلى أن " يا زيد " إنشاء ، وقولنا أنادي خبر ، ولأنه لو كان كذلك لصلح قولنا : " يا زيد " أن يكون خطابا لعمرو كما صلح قولنا : أنادي زيدا لذلك . ورد عليه بعضهم بأنا لا نسلم أن " أنادي " الذي هو بمعنى " يا زيد " خبر ، وإنما هو إنشاء ، نعم : الخبر الذي هو أنادي زيدا ليس هو بهذا المعنى .
وأجاب الشيخ شرف الدين المرسي بأن الخبر قد ينقل من الخبرية إلى الإنشائية كألفاظ العقود التي يقصد بها استحداث الأحكام بأنها بعد نقلها إلى الإنشاء لم تبق تحتمل الصدق والكذب ، فكذلك هذا وكل هذا غفلة عن تحقيق المحذوف في المنادى ، لم يقدر " يا زيد " بأنادي زيدا ، بل قدره " يا أنادي زيدا " كأن " يا " أولا تنبيه غير خاص يمكن أن يتنبه به من سمعه ، فبين المنبه بعد هذا التنبيه غير الخاص [ ص: 306 ] أنه خاص ، فتقدير الفعل في النداء على مذهب وسيبويه لا يحيل المعنى ، ولا يغيره من باب الإنشاء إلى الخبر ، كما قالوا : بل هو كتقدير المتعلق في قولك : " زيد عندك " الذي هو مستقر إذا قدرت فقلت : زيد مستقر عندك . في أنه لا يحيل المعنى ولا يغيره ، وهذه فائدة جليلة تصيدتها من كلام الأستاذ النحوي سيبويه أبي علي الشلوبيني رضي الله عنه .