مسألة [ إمكان العرفية ] ولا خلاف في
nindex.php?page=treesubj&link=20992إمكان العرفية ، وأما الوقوع فلا نزاع في وجود الخاصة منها لاستقراء كلام ذوي العلوم والصناعات التي لا يعرفها أهل اللغة ، كالقلب والنقض والجمع والفرق . وأما العرفية العامة : فمنهم من أنكر وجودها ، والأكثرون على الوقوع قاله
الهندي ، وتابع فيه في " المحصول " واستغرب شارحه
الأصفهاني هذا الخلاف ، وقال : إنما المعروف الخلاف في الشرعية .
قلت : حكى الخلاف صاحب " المعتمد " ثم قال : والذين أجازوا انتقال الاسم عن موضوعه في اللغة بالعرف إنما أجازوا ذلك ما لم يكن الاسم اللغوي يتعلق به حكم شرعي ، فإن تعلق لم يجز نقله عن موضعه إلى معنى آخر قطعا ، لأنه يرجع حينئذ إلى التكليف . ا هـ .
فحصل ثلاثة مذاهب ، ويخرج من كلام
القاضي وأتباعه
والإمام الرازي رابع ، فإنهم
nindex.php?page=treesubj&link=20992قسموا النقل العرفي إلى قسمين : أحدهما : أن يكون الاسم قد وضع لمعنى عام ثم تخصص بالعرف العام
[ ص: 12 ] لبعض أنواعه ، كلفظ الدابة فإنه موضوع لكل ما يدب على وجه الأرض ، ثم خصصها العرف العام بذات الحوافر . وثانيهما : أن يكون الاسم في أصل اللغة قد وضع لمعنى ، ثم كثر استعماله فيما له به نوع مناسبة وملابسة بحيث لا يفهم المعنى الأول كالغائط ، والأول نقل إلى الحقيقة ، والثاني إلى المجاز . قال
القاضي : والأسماء العرفية منحصرة في هذين ، ولا ينبئ العرف عن الوضع ، للإجماع على اختصاصه ببعض الأسامي ، ولو صرف إلى أصل الوضع للزم تسمية جملة اللغة عرفية ، ولا ينبئ عن تجديد الوضع بعد استقرار اللغة ، فإن هذا سبيل كل لغة سبقها أخرى ، وإنما تنبئ عما يغلب استعماله عرفا من المجازات أو يغلب تخصيصه ببعض المقتضيات ، وكذا قال في " المحصول " : التصرف الواقع على هذين الوجهين هو الذي ثبت عن أهل العرف ، وأما على غيرهما فلم يثبت عنهم ، ولا يجوز إثباته وذكر غيره من أقسام العرفية أن يوضع اللفظ لشيء في اللغة لكن لم يستعمل فيما وضع له فيها ، فيستعمله العرف في غيره كعسى ، فإنه وضع أولا للفعل الماضي ، ولم يستعمل فيه قط ، بل استعمل في الإنشاء بوضع العرف ، فصارت العرفية ثلاثة أقسام : أن يستعمل اللفظ فيما لم يوضع له في اللغة أصلا إذا لم يستعمله اللغوي أيضا ، أو كان له وضع في اللغة ، واستعمل فيه ، لكن هجر كالغائط ، أو لم يهجر ، ولكن قصره العرف على بعض موضوعاته كالدابة . وأما الشرعية فهي من مهمات هذا الموضع ، ولم أر من أحكم شرحها . ويتعلق بها مباحث :
[ ص: 13 ] الأول : في تحقيق المراد بالاسم الشرعي ، وهي اللفظة التي استفيد وضعها للمعنى من جهة الشرع ، كذا قاله في " المحصول " وسبقه إليه
أبو الحسين في " المعتمد " . وقال
القاضي عبد الجبار : ما كان معناه ثابتا بالشرع ، والاسم موضوع له فيه . وقال
ابن برهان : هو ما استفيد من الشرع واللفظ من اللغة ، ومرة يستفاد المعنى من وضع اللغة واللفظ في الشرع ، والكل أسامي شرعية . وقال بعضهم : هي اللفظ المستعمل فيما وضع له أولا في الشرع ، وقيل الاسم المستعمل فيما وضع له في الشرع ; لأن الاستقرار دل على عدم الفعل والحرف الشرعيين إلا بالتبع . وهل
nindex.php?page=treesubj&link=20993_843المراد بالحقيقة الشرعية كل ما ورد على لسان حملة الشريعة مما هو مخالف للوضع اللغوي ، أو سواء كان موافقا للمدلول اللغوي أم لا ؟ والظاهر : الأول ، فإن اللفظ الذي أراد به الشارع معنى يصح إطلاق ذلك اللفظ عليه في اللغة حقيقة لا ضرورة بنا إلى أن نقول : إنه تجوز به عن الحقيقة الشرعية المرادة ، كإطلاق الصلاة على الدعاء في قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103وصل عليهم } لا نقول إنه مجاز بحسب الصلاة ذات الأركان ، بل هو الدعاء ، وهذا حقيقة لغوية ، وإذا أمكنت فما الداعي للمجاز الشرعي .
مَسْأَلَةٌ [ إمْكَانُ الْعُرْفِيَّةِ ] وَلَا خِلَافَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=20992إمْكَانِ الْعُرْفِيَّةِ ، وَأَمَّا الْوُقُوعُ فَلَا نِزَاعَ فِي وُجُودِ الْخَاصَّةِ مِنْهَا لِاسْتِقْرَاءِ كَلَامِ ذَوِي الْعُلُومِ وَالصِّنَاعَاتِ الَّتِي لَا يَعْرِفُهَا أَهْلُ اللُّغَةِ ، كَالْقَلْبِ وَالنَّقْضِ وَالْجَمْعِ وَالْفَرْقِ . وَأَمَّا الْعُرْفِيَّةُ الْعَامَّةُ : فَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ وُجُودَهَا ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْوُقُوعِ قَالَهُ
الْهِنْدِيُّ ، وَتَابَعَ فِيهِ فِي " الْمَحْصُولِ " وَاسْتَغْرَبَ شَارِحُهُ
الْأَصْفَهَانِيُّ هَذَا الْخِلَافَ ، وَقَالَ : إنَّمَا الْمَعْرُوفُ الْخِلَافُ فِي الشَّرْعِيَّةِ .
قُلْت : حَكَى الْخِلَافَ صَاحِبُ " الْمُعْتَمَدِ " ثُمَّ قَالَ : وَاَلَّذِينَ أَجَازُوا انْتِقَالَ الِاسْمِ عَنْ مَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ بِالْعُرْفِ إنَّمَا أَجَازُوا ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ الِاسْمُ اللُّغَوِيُّ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ ، فَإِنْ تَعَلَّقَ لَمْ يَجُزْ نَقْلُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ إلَى مَعْنًى آخَرَ قَطْعًا ، لِأَنَّهُ يَرْجِعُ حِينَئِذٍ إلَى التَّكْلِيفِ . ا هـ .
فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ ، وَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِ
الْقَاضِي وَأَتْبَاعِهِ
وَالْإِمَامِ الرَّازِيَّ رَابِعٌ ، فَإِنَّهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=20992قَسَّمُوا النَّقْلَ الْعُرْفِيَّ إلَى قِسْمَيْنِ : أَحَدِهِمَا : أَنْ يَكُونَ الِاسْمُ قَدْ وُضِعَ لِمَعْنًى عَامٍّ ثُمَّ تَخَصَّصَ بِالْعُرْفِ الْعَامِّ
[ ص: 12 ] لِبَعْضِ أَنْوَاعِهِ ، كَلَفْظِ الدَّابَّةِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ لِكُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ، ثُمَّ خَصَّصَهَا الْعُرْفُ الْعَامُّ بِذَاتِ الْحَوَافِرِ . وَثَانِيهِمَا : أَنْ يَكُونَ الِاسْمُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ قَدْ وُضِعَ لِمَعْنًى ، ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا لَهُ بِهِ نَوْعُ مُنَاسَبَةٍ وَمُلَابَسَةٍ بِحَيْثُ لَا يُفْهَمُ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ كَالْغَائِطِ ، وَالْأَوَّلُ نُقِلَ إلَى الْحَقِيقَةِ ، وَالثَّانِي إلَى الْمَجَازِ . قَالَ
الْقَاضِي : وَالْأَسْمَاءُ الْعُرْفِيَّةُ مُنْحَصِرَةٌ فِي هَذَيْنِ ، وَلَا يُنْبِئُ الْعُرْفُ عَنْ الْوَضْعِ ، لِلْإِجْمَاعِ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِبَعْضِ الْأَسَامِي ، وَلَوْ صُرِفَ إلَى أَصْلِ الْوَضْعِ لَلَزِمَ تَسْمِيَةُ جُمْلَةِ اللُّغَةِ عُرْفِيَّةً ، وَلَا يُنْبِئُ عَنْ تَجْدِيدِ الْوَضْعِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ اللُّغَةِ ، فَإِنَّ هَذَا سَبِيلُ كُلِّ لُغَةٍ سَبَقَهَا أُخْرَى ، وَإِنَّمَا تُنْبِئُ عَمَّا يَغْلِبُ اسْتِعْمَالُهُ عُرْفًا مِنْ الْمَجَازَاتِ أَوْ يَغْلِبُ تَخْصِيصُهُ بِبَعْضِ الْمُقْتَضَيَاتِ ، وَكَذَا قَالَ فِي " الْمَحْصُولِ " : التَّصَرُّفُ الْوَاقِعُ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ هُوَ الَّذِي ثَبَتَ عَنْ أَهْلِ الْعُرْفِ ، وَأَمَّا عَلَى غَيْرِهِمَا فَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُمْ ، وَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ وَذَكَرَ غَيْرُهُ مِنْ أَقْسَامِ الْعُرْفِيَّةِ أَنْ يُوضَعَ اللَّفْظُ لِشَيْءٍ فِي اللُّغَةِ لَكِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيمَا وُضِعَ لَهُ فِيهَا ، فَيَسْتَعْمِلُهُ الْعُرْفُ فِي غَيْرِهِ كَعَسَى ، فَإِنَّهُ وُضِعَ أَوَّلًا لِلْفِعْلِ الْمَاضِي ، وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ قَطُّ ، بَلْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْإِنْشَاءِ بِوَضْعِ الْعُرْفِ ، فَصَارَتْ الْعُرْفِيَّةُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : أَنْ يُسْتَعْمَلَ اللَّفْظُ فِيمَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ فِي اللُّغَةِ أَصْلًا إذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ اللُّغَوِيُّ أَيْضًا ، أَوْ كَانَ لَهُ وَضْعٌ فِي اللُّغَةِ ، وَاسْتُعْمِلَ فِيهِ ، لَكِنْ هُجِرَ كَالْغَائِطِ ، أَوْ لَمْ يُهْجَرْ ، وَلَكِنْ قَصَرَهُ الْعُرْفُ عَلَى بَعْضِ مَوْضُوعَاتِهِ كَالدَّابَّةِ . وَأَمَّا الشَّرْعِيَّةُ فَهِيَ مِنْ مُهِمَّاتِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ أَحْكَمَ شَرْحَهَا . وَيَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ :
[ ص: 13 ] الْأَوَّلُ : فِي تَحْقِيقِ الْمُرَادِ بِالِاسْمِ الشَّرْعِيِّ ، وَهِيَ اللَّفْظَةُ الَّتِي اُسْتُفِيدَ وَضْعُهَا لِلْمَعْنَى مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ ، كَذَا قَالَهُ فِي " الْمَحْصُولِ " وَسَبَقَهُ إلَيْهِ
أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " الْمُعْتَمَدِ " . وَقَالَ
الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ : مَا كَانَ مَعْنَاهُ ثَابِتًا بِالشَّرْعِ ، وَالِاسْمُ مَوْضُوعٌ لَهُ فِيهِ . وَقَالَ
ابْنُ بَرْهَانٍ : هُوَ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الشَّرْعِ وَاللَّفْظِ مِنْ اللُّغَةِ ، وَمَرَّةً يُسْتَفَادُ الْمَعْنَى مِنْ وَضْعِ اللُّغَةِ وَاللَّفْظِ فِي الشَّرْعِ ، وَالْكُلُّ أَسَامِي شَرْعِيَّةٌ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هِيَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا فِي الشَّرْعِ ، وَقِيلَ الِاسْمُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ فِي الشَّرْعِ ; لِأَنَّ الِاسْتِقْرَارَ دَلَّ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ وَالْحَرْفِ الشَّرْعِيَّيْنِ إلَّا بِالتَّبَعِ . وَهَلْ
nindex.php?page=treesubj&link=20993_843الْمُرَادُ بِالْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ كُلُّ مَا وَرَدَ عَلَى لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ مِمَّا هُوَ مُخَالِفٌ لِلْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ ، أَوْ سَوَاءٌ كَانَ مُوَافِقًا لِلْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ أَمْ لَا ؟ وَالظَّاهِرُ : الْأَوَّلُ ، فَإِنَّ اللَّفْظَ الَّذِي أَرَادَ بِهِ الشَّارِعُ مَعْنًى يَصِحُّ إطْلَاقُ ذَلِكَ اللَّفْظِ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ حَقِيقَةً لَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى أَنْ نَقُولَ : إنَّهُ تَجَوَّزَ بِهِ عَنْ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُرَادَةِ ، كَإِطْلَاقِ الصَّلَاةِ عَلَى الدُّعَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } لَا نَقُولُ إنَّهُ مَجَازٌ بِحَسَبِ الصَّلَاةِ ذَاتِ الْأَرْكَانِ ، بَلْ هُوَ الدُّعَاءُ ، وَهَذَا حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ ، وَإِذَا أَمْكَنَتْ فَمَا الدَّاعِي لِلْمَجَازِ الشَّرْعِيِّ .