[ ص: 14 ] ] وأقسامها أربعة : الأول : أن يكون اللفظ والمعنى معلومين لأهل اللغة ، لكنهم لم يضعوا ذلك الاسم لذلك المعنى . الثاني : أن يكونا غير معلومين لهم . الثالث : أن يكون اللفظ معلوما لهم والمعنى غير معلوم . الرابع : عكسه ، والمنقولة الشرعية أخص من الحقيقة الشرعية . ثم من المنقولة ما نقل إلى الدين وأصوله كالإيمان والإسلام والكفر والفسق ، وتخص بالدينية ، وما نقل إلى فروعه كالصلاة والزكاة وتختص بالفرعية . قال أقسام الحقيقة الشرعية الصفي الهندي : وهذه الأقسام الأربعة الأشبه وقوعها . أما الأول : فكلفظ الرحمن لله ، فإن هذا اللفظ كان معلوما لهم ، والثاني : كأوائل السور ، والثالث : كلفظ الصلاة والصوم ، والرابع كلفظ الأب ولهذا لما نزل قوله تعالى { وفاكهة وأبا } قال : ما الأب ؟ ا هـ . عمر
والنزاع في الكل على السواء . واعلم أن هذا القسم ذكره الإمام في " المحصول " فتابعوه ، وإنما ذكره صاحب " المعتمد " على أصل المعتزلة ، وكذلك تفسير الشرعي بما سبق ، وهو ماش على مذهبهم الآتي وأما على أصلنا فلا يستقيم ذلك [ ص: 15 ] بل الشرط كما قاله الأصفهاني : كون اللفظ والمعنى من حيث هو مجاز لغوي يعلمها أهل اللغة ، لاستحالة نقل الشرع لفظة لغوية إلى معنى مجاز لغة ، ولا يعرفهما أهل اللغة . الثاني : في إمكانها عقلا ، ونقل الإمام في " المحصول " والآمدي في " الإحكام " الإجماع على ، وأن الخلاف إنما هو في الوقوع وليس كذلك ففي " شرح العمد " إمكان الحقيقة الشرعية لأبي الحسين عن قوم إنكار إمكانها ، فقال : وقد أبى قوم جواز ذلك ، واختلف تعليلهم ، فعلة بعضهم دالة على أنه منع من إمكان ذلك ، وعلة الآخرين دالة على أنهم منعوا من حسنه . ا هـ .
وممن حكى الخلاف أيضا ابن برهان في " الأوسط " فقال : وأما إمكان نقل الأسامي ، أو نقلها من اللغة إلى الشرع فقد جوزه كافة العلماء ، ومنعه طائفة يسيرة ، وبناء المسألة على حرف واحد ، وهو أن نقلها من اللغة إلى الشرع لا يؤدي إلى قلب الحقائق ، وعنده يؤدي . الثالث : أنه إذا ثبت إمكانه فهو حسن وليس بقبيح ، وإنما هو بمثابة النسخ في الأحكام الشرعية ، فإنه يجوز نسخها وتبديلها باعتبار المصالح ، ويكون ذلك حسنا ، فلأن يحسن ذلك في الأسامي أولى . وقيل : وإن جاز عقلا لكنه لا ينتقل ; لأنه قبيح لإفضائه إلى إسقاط الأحكام الشرعية ، وهو لا يجوز إلا بالنسخ ، ذكره ابن برهان .
الرابع : إنه إذا ثبت هذا فهل وقع أو لا ؟ فيه مذاهب : أحدها : أنها ليست بواقعة مطلقا ، سواء الدينية وهي المتعلقة بأصول [ ص: 16 ] الدين كالإيمان والكفر ، والفرعية وهي المتعلقة بالفروع . قال المازري في " شرح البرهان " : وهو رأي المحققين من أئمتنا الفقهاء والأصوليين ، وهو قول ، القاضي أبي بكر والإمام أبي نصر بن القشيري ، ونقله عن أصحابنا ، فقال : وقال أصحابنا : لم ينقل الشرع شيئا من الأسامي اللغوية ، بل النبي صلى الله عليه وسلم كلم الخلق بلسان العرب ، وإلى هذا ميل القاضي . ا هـ .
ونقله الأستاذ أبو منصور عن القاضي أبي حامد المروذي والشيخ أبي الحسن الأشعري فقال : أجمع أصحاب على أنه قد نقل بالشرع أسماء كثيرة عن معانيها في اللغة إلى معان سواها إلا الشافعي ، فإنه زعم أن الأسامي كلها باقية على مقتضاها في اللغة قبل الشرع . وبه قال أبا حامد المروذي أبو الحسن الأشعري ، ومثال ذلك : الإيمان في اللغة بمعنى التصديق ، وقد صار بالشرع عند أصحاب اسما لجميع الطاعات ، وعند الشافعي الأشعري أنه الآن أيضا بمعنى التصديق ، وكذلك الصلاة والحج والعمرة أسماء لأفعال مخصوصة زائدة على ما كان مفعولا منها في اللغة قبل الشرع عندنا ، وهي عند الأشعري ثابتة على ما كان عليه قبل الشرع إلا أنها لا يحتسب بها إلا إذا أتى على الشروط التي علقتها الشريعة بها . ا هـ . وكذلك حكاه عن الأشعري في جزء جمعه في بيان الإسلام والإيمان . فقال : واختلفوا في مسألة الإيمان ، الأستاذ أبو بكر بن فورك ؟ فمنهم من قال : إنها نقلت ، وإن من ذلك الإيمان ، فإنه لغة التصديق ، وإنما قيل في الشريعة للطاعات : كلها إيمان ، وذلك شرعي لا لغوي ، وكذلك الصلاة والزكاة والحج والوضوء ، فجمعه منقول عن اللغة . هل نقلت الشريعة أسماء اللغة عن موضوعاتها إلى غيرها
[ ص: 17 ] وقال أبو الحسن الأشعري : إن الأسماء كلها لغوية ، وإنه لم ينقل منها شيء عن موضوع اللغة ، وأن لا إيمان إلا بتصديق ، وأن لا تصديق إلا بإيمان ، وقال : إن الصلاة لغة : الدعاء ، والحج : القصد ، والزكاة : النماء ، والوضوء : النظافة ، ولكن الشرع أتى بفعلها عن وجه دون وجه . وفرق أبو الحسن بين الإيمان والإسلام ، فقال : كل إيمان إسلام ، وليس كل إسلام إيمانا ، وقال : إن الإسلام هو الاستسلام والانقياد والمتابعة لله في طاعاته ، والإيمان به ، وهو الاستسلام له بالتصديق بالقلب ، وقال : إن المنافق مسلم غير مؤمن ; لأنه مستسلم في الظاهر غير مصدق في الباطن ، ولذلك قال الله تعالى : { قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } ففرق بين الإسلام والإيمان . ا هـ .
[ النافون للحقيقة ] ثم اختلف النافون على مذهبين : أحدهما : أنها مقرة على حقائق اللغات ، لم تنقل ولم يزد في معناها ، ونقله إمام الحرمين وابن السمعاني عن . والثاني : أنها أقرت وزيد في معناها في الشرع ، ونقلاه عن طائفة من الفقهاء . القاضي أبي بكر قلت : وهو ما نصه في كتابه ، فقال : وليس ذلك بنقل الاسم عن اللغة إلى الشرع ، وإنما هو إبانة موضع ما أريد بإيقاعه فيه ، فالصلاة في اللغة : من معانيها الدعاء ، ولم يخرج بالشرع عن معناه ، بل أتى بوضعه الذي جعل فيه ، فقيل : ندعو على صفة كذا ، ولا يتغير معنى الاسم بذلك . ا هـ . ابن فورك
[ ص: 18 ] ويخرج من أدلتهم مذهب ثالث : وهو التفضيل بين أن يتعلق بالاسم فرض فلا يجوز نقله عن معناه ; لأن النقل يؤدي إلى تغيير الأحكام ، وبين أن لا ، فلا يمتنع ، وقد سبق نقله صريحا في الحقيقة العرفية ، ولا شك أن قائله يطرده هنا . المذهب الثاني : أنها واقعة ، وهو قول الجمهور من الفقهاء والمعتزلة كما قاله أبو الحسين في " المعتمد " ، وحكاه ابن برهان وابن السمعاني عن أكثر المتكلمين والفقهاء ، وصححه ،