[ ص: 107 ] مسألة [ الشك ] : قال الشك العسكري : أصله من قولهم : شككت الشيء إذا جمعته بشيء يدخل فيه ، والشك : هو اجتماع شيئين في الضمير ، وقال في أحد قوليه : اعتقادان يتعاقبان لا يتصور الجمع بينهما ، وأفسدوه بما إذا زال الاعتقاد الجازم باعتقاد آخر . وقال في قوله الآخر : عدم العلم : وهو فاسد لحصوله من الجماد والنائم ، ولا يوصف بالشك . وقال أبو هاشم : استواء معتقدين في نفس المستريب مع قطعه أنهما لا يجتمعان ، وفيه زيادة ، وهي قوله : " استواء " وقوله : " المستريب " فإن أحدهما يغني عن الآخر ، إذ لا يمكن استرابة مع ظهور أحدهما ، ولا استواء مع عدم استرابة ، وأيضا فغير جامع ; لما إذا ظن عدم الاجتماع . فإنه خرج بقوله : مع قطعه أنهما لا يجتمعان . وقال القاضي أبو بكر الآمدي : وصف كل من الأمرين بكونه معتقدا ، ومن ضرورته تعلق الاعتقاد الجازم به ، وذلك مع الاستواء محال ، وقد يمنع الاستحالة ، إذ الاعتقاد غير منحصر في الجازم . [ ص: 108 ] وقال إمام الحرمين : هو الاسترابة في معتقدين . وأفسده الآمدي بأنه جمع بين الاسترابة والاعتقاد بالنسبة إلى شيء واحد . وهذا الإفساد فاسد ; لعدم اتحاد المحل ; لأن الاسترابة في تعيين المراد في نفس الأمر ، والاعتقاد لصلاحية إرادة كل واحد ، وقد يكون من غير جزم فيكون ذلك ترادفا . نعم هو غير جامع لما إذا كانت الاسترابة في غير نفي ولا إثبات من وقف وشك وغيره ، وغير مانع ; لدخول الاسترابة في معتقدين في وقتين ، فإنه ليس بشك فلا بد أن يقول : في وقت واحد ، ولا يجتمعان وقوعا . وقال الآمدي : الأقرب أن الشك التردد في أمرين متقابلين لا ترجيح لوقوع أحدهما على الآخر في النفس . انتهى . ويرد على الجميع التقيد بالأمرين ، فإن الشك قد يكون بين أمور متعددة ، كما لو شك هل زيد قائم أو قاعد أو نائم ؟ وذكر الهندي أن : أحدهما : التردد في ثبوت الشيء ونفيه ترددا على السواء . والثاني : أن لا يتردد بل يحكم بأحدهما مع تجويز نقيضه تجويز استواء . قال : والفرق بينهما فرق ما بين الخاص والعام ، فإن الأول منهما قد يكون لعدم الدليل على الاحتمالين ، وقد يكون لدليلين متساويين عليهما ، وأما الثاني فإنه لا يكون إلا بدليلين متساويين ، وإلا لم يكن ذلك الحكم يعتبر ، لأنه حينئذ يكون بالتشهي [ ص: 109 ] قال : والذي يدل على أن الأول شك وإن لم يذكره كثير من الأصوليين أن من توقف عن الحكم بثبوت الشيء ونفيه يقال : إنه شاك في وجوده ونفيه . انتهى . ونبه الشك قسمان إمام الحرمين على فائدة ، وهي أن الشك لا بد وأن يكون مع قيام المقتضي لكل واحد من الأمرين . وقال : هو اعتقاد أن يتقاوم سببهما . ذكره في " النهاية " في أبواب الصلاة ، وفيه تنبيه على أن مجرد التردد في الأمرين من غير قيام ما يقتضي ذلك لا يسمى شكا ، وكذلك من غفل عن شيء بالكلية . فيسأل عنه لا يسمى شاكا . وكلام الراغب يوافقه ، فإنه قال : هو اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما ، وذلك قد يكون لوجود أمارتين متساويتين عنده في النقيض أو لعدم الأمارة فيهما . أي : أي جنس هو ؟ وربما كان في بعض صفاته ، وربما كان في الغرض الذي لأجله وجد . والشك ربما كان في الشيء هل هو موجود أو لا ؟ وربما كان في جنسه ، وهو أخص منه ; لأن الجهل قد يكون عدم العلم بالنقيض أصلا ، فكل شك جهل ، وليس كل جهل شكا . قال تعالى : { والشك ضرب من الجهل وإنهم لفي شك منه مريب } وأصله : إما من شككت الشيء أي خرقته ، فكان الشك الخرق في الشيء وكونه بحيث لا يجد الرائي مستقرا يثبت فيه ويعتمد عليه ، ويصح أن يكون مستعارا من الشك ، وهو لصوق العضد بالجنب وذلك أن يتلاصق النقيضان . فلا يدخل الفهم والرأي لتخلله بينهما ، ولهذا يقولان : التبس الأمر واختلط وأشكل ونحوه من الاستعارات [ ص: 110 ] وقال الغزالي : في الإحياء في الباب الثاني في مراتب الشبهات : الشك عبارة عن اعتقادين متقابلين نشآ عن سببين ، وقال في الباب الثالث في البحث والسؤال : إنه عبارة عن اعتقادين متقابلين لهما سببان متقابلان
. وأكثر الفقهاء لا يدرون الفرق بين ما لا يدرى وبين ما لا يشك فيه . وقال قبل ذلك : إذا دخلت بلدا غريبا ، ودخلت سوقا ، ووجدت قصابا أو خبازا أو غيره ولا علامة تدل على كونه مريبا أو خائنا ، ولا ما لا يدل على نفيه ، فهذا مجهول لا يدرى حاله ، ولا نقول : إنه مشكوك فيه ، وقال في الباب الثاني : لو سئل الإنسان عن صلاة الظهر التي أداها قبل هذا بعدة سنين كانت أربعا أو ثلاثا ؟ لم يتحقق قطعا أنها أربع ، وإذا لم يقطع جوز أن تكون ثلاثا ، وهذا التجويز لا يكون شكا إذا لم يحضره سبب أوجب اعتقاد كونه ثلاثا ، فليفهم حقيقة الشك حتى لا يشتبه بالوهم والتجويز بغير سبب .