مسألة الإجمال إما أن يكون في حال الإفراد أو التركيب
والأول : إما أن يكون بتعريفه كلفظة : " قال " من القيلولة ، والقول . " وكالمختار " فإنه صالح للفاعل والمفعول . يقال : اخترت فلانا فأما مختار ، وهو مختار . قال العسكري : ويفترقان تقول : في الفاعل ، مختار لكذا ، وفي المفعول مختار من كذا . ومنه قوله تعالى : { ولا يضار كاتب ولا شهيد } يحتمل أن يكون تقديره ، يضارر - بفتح الراء أو بكسرها - وقد قرئ بهما . ومثله { لا تضار والدة بولدها } في احتمال الوجهين ، قاله العبدري في " شرح المستصفى " .
وإما أن يكون بأصل وضعه ، فإما أن تكون معانيه متضادة ، ك " القرء " للطهر والحيض . و " الناهل " للعطشان والريان ، و " الشفق " للحمرة والبياض ; وإما متشابهة : " كالفرس " للحيوان المعروف ، والصورة التي ترسم على مثاله . أو لا يكون كذلك : " كالعين " للعضو الباصر ، وينبوع الماء . وإن شئت : قلت : إما أن يتناول معاني كثيرة بحسب خصوصياتها فهو المشترك ، وإما بحسب معنى مشترك بينها وهو المتواطئ ، كقوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } .
وقال أبو العز المقترح : الفرق بين المجمل والمشترك أن المجمل يستدعي [ ص: 64 ] ثبوت احتمالين متساويين بالنسبة إلى الفهم ، سواء وضع اللفظ لهما على وجه الحقيقة أو في أحدهما مجاز وفي الآخر حقيقة . فالإجمال إنما هو بالنسبة إلى الفهم ، فإن المشترك قد يتساوى بالنسبة إلى الوضع ، ولا يتساوى بالنسبة إلى الفهم ، فلا يكون مجملا .
وأيضا إما أن يكون في الأسماء كما سبق ، أو في الأفعال ك " عسعس " بمعنى أقبل وأدبر ، أو في الحروف ، كتردد الواو بين العطف والابتداء . في قوله تعالى : { والراسخون في العلم } .
وترددها بين العطف والحال في قوله : { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا } لأنها إن كانت عاطفة أوهم أن علم الله بضعفهم حدث الآن ، وبه احتج بعض المعتزلة على حدوث العلم تعالى الله عن ذلك ، وإنما المراد إعلام عباده ; وإن جعلت غير عاطفة كان تقديره : الآن خفف الله عنكم ، عالما أن فيكم ضعفا ، فلا يلزم منه محذور ، ويجب إضمار " قد " حينئذ . ونحو تردد " من " بين ابتداء الغاية والتبغيض ، كقوله : { فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } فقال : هي للابتداء ، أي : اجعلوا ابتداء المسح من الصعيد . وقال أبو حنيفة الشافعي : هي للتبعيض ، أي : امسحوا وجوهكم ببعض الصعيد ، فلهذا اشترطنا أن يكون لما يتيمم به غبار ، يعلق باليد ، لتحقق المسح ببعضه . وأحمد
والثاني : أن يكون اللفظ مجملا في تركيبه ، وهو أنواع : منها : في المركب بجملته في نحو قوله تعالى : { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } لتردده بين الزوج والولي ، ولذلك [ ص: 65 ] اختلف فيه ، فقال بالأول ، الشافعي بالثاني . ومالك
ومنها : في الاستثناء كقوله عليه السلام : { المسجد الحرام } ولكن لا كباقي المساجد ; بل إنما أزيد أو أنقص منها . والثاني أنه ليس بأفضل منه ; بل إما مساو أو صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام أفضل . ومنها : في مرجع الضمير إذا تقدمه أمران يصلح لكل واحد منهما ، كقوله عليه السلام : { } فضمير الجدار يحتمل العود على نفسه أي في جدار نفسه ، أو على جاره ، أي في جدار جاره ، وقد ذكر أصحابنا هذا في كتاب الصلح . والأصح امتناع الوضع إلا بإذن . وكقوله تعالى : { لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين } فإن هذا يحتمل أن تكون البشارة بميلاده ، فيكون المأمور بذبحه إسماعيل ، لأن هذا الكلام في قصة الذبيح ، ويحتمل أن تكون البشارة بنبوته ، ويكون هو المأمور بذبحه .
ومنها : في مرجع الصفة ، نحو : زيد طبيب ماهر ، لتردده بين المهارة مطلقا ، والمهارة في الطب ، كذا قاله وغيره . وقال صاحب " البسيط " من النحويين : إذا ابن الحاجب ، قال قوم : الصفة الثانية للأول وحده . وقال قوم : هي لمجموع الموصوف والصفة . وقال اجتمعت صفتان فصاعدا [ ص: 66 ] لموصوف واحد ابن السمعاني : قال الأصحاب : المجمل على أوجه : منها : أن لا يرجع اللفظ للدلالة على شيء بعينه ، كقوله : { وآتوا حقه يوم حصاده } وقوله عليه السلام : { } فإن الحق يشتمل على أشياء كثيرة ، وهو في هذا الموضع مجهول كقوله تعالى : { إلا بحقها أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم } فإنه صار مجملا لما دخله الاستثناء .
ومنها : أن يفعل صلى الله عليه وسلم فعلا يحتمل وجهين احتمالا واحدا كالجمع بين الصلاتين في السفر ، فهو مجمل ، لأنه يحتمل السفر الطويل والقصير ، فلا يجوز أن يحمل على أحدهما إلا بدليل . قال : وهذه الوجوه لا يختلف المذهب في إجمالها وافتقارها إلى البيان . انتهى .
ومنها : في تعدد المجازات المتساوية مع مانع يمنع من حمله على الحقيقة ، فإن اللفظ يصير مجملا بالنسبة إلى تلك المجازات ، إذ ليس الحمل على أحدها أولى من حمله على البعض الآخر كما هو في المشترك والمتواطئ . كذا ذكره الآمدي والهندي ، وهو ظاهر إن لم يحمل المشترك على معانيه ، لكن قاعدة وابن الحاجب حمله على سائر المعاني احتياط ، ولا يتوقف على بيان . أما إذا تكافأت المجازات ، وترجيح واحد ، لأنه أقرب إلى الحقيقة كنفي الصحة ، كقوله : { الشافعي لا صلاة . . . ولا صيام } أو لأنه أظهر غرضا أو أعظم مقصودا ، كرفع الحرج ، وتحريم الأكل في : { } و { رفع عن أمتي حرمت عليكم الميتة } حمل عليه . [ ص: 67 ] وقد اختلف في ألفاظ منها : قوله تعالى : { وأحل الله البيع } فيه أربعة أقوال : أحدها : أنها عامة خصصها الكتاب . الثاني : أنها عامة خصصتها السنة ، الثالث : أنها مجملة بينها الكتاب . الرابع : أنها مجملة بينتها السنة . وللشافعي
واختلف قوله في آية الزكاة ، وهي قوله : { وآتوا الزكاة } على قولين ، أحدهما : أنها عامة خصصتها السنة . والثاني : أنها مجملة بينتها السنة ، وهما من جهة اللفظ والتعريف بالألف واللام واحد . وفيه سؤال وهو : أن كل واحد منهما مفرد معرف ، فإن عم من حيث اللفظ فليعم في الآيتين ، أو المعنى فليعم فيهما ، وإن لم يعم من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى فليستويا فيه ، مع أن الصحيح في آية البيع العموم ، وفي آية الزكاة الإجمال . وسبق جوابه في باب العموم .
قال ابن السمعاني : الصحيح أنها ليست مجملة ، لأن البيع معقول في اللغة ، فحمل اللفظ على العموم إلا ما خصه الدليل .
وقال أبو منصور : الصحيح أنها مجملة في البيوع التي فيها الربا ، فأما بيع لا ربا فيه فداخل في عموم التحليل ، وكذا قال إمام الحرمين : إنه مجمل فيما اشتمل على جهة من جهات الزيادة دون ما ليس كذلك ، ومأخذه محتمل ، لأن لام التعريف في المفرد للعموم أو الجنس الصادق على الكل أو البعض ، أو أنه وإن كان للعموم ، لكن قوله : { وحرم الربا } جار مجرى الاستثناء فيه ، وهو مجهول ، إذ الربا هو الزيادة ، وليس كل زيادة حراما ، وبه يشعر تفصيل الإمام .
وكلام الغزالي يشعر بأنه لتردده بين العهد والعموم ، وهو بإطلاقه لا يعم إلا عند عدمه ، ويلزمه ذلك في الجمع المعرف ، ثم هو جزم بالإجمال . وقال ابن القشيري في تفسيره : قال العلماء : هذه الآية مجملة ، لأن قوله : { أحل الله البيع } يقتضي تحليل كل بيع [ ص: 68 ] وقوله : { وحرم الربا } يقتضي تحريم كل بيع ، لأنه لا بيع إلا وتقصد منه الزيادة ، فالرجوع إذن إلى بيان النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل : البيع الذي لا زيادة فيه هو بيع عشرة بعشرة مع التجانس ، فهو حلال ليس فيه إجمال ، وإنما الإجمال فيما يتضمن زيادة ، فبعض ما يتضمن الزيادة حلال ، والبعض حرام . وقال غيره : هذه الآية مخصصة لا مجملة ، فإن قوله : { وحرم الربا } دل على أن المراد في قوله : { أحل الله البيع } البعض دون الكل الذي هو ظاهر بأصل الوضع .
وقيل : إن البيع مجمل ، لأن الربا مجمل ، وهو في حكم المستثنى من البيع ، واستثناء المجهول من المعلوم يعود بالإجمال على أصل الكلام . والصحيح الأول ، فإن الربا عام في الزيادات كلها ، وكون البعض غير مراد فرع تخصيص ، فلا تتغير به دلالة الأوضاع .
ومنها : الآيات التي ذكر فيها الأسماء الشرعية ، كقوله : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } وقوله : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وقوله : { ولله على الناس حج البيت } وفيها وجهان :
أحدهما : أنها عامة غير مجملة ، فتحمل الصلاة على كل دعاء ، والصوم على كل إمساك ، والحج على كل قصد ، إلا ما قام الدليل عليه .
والثاني : أنها مجملة ، لأن المراد بها معان لا يدل اللفظ عليها في اللغة ، وإنما تعرف من جهة الشرع ، فافتقرت إلى البيان ، هكذا حكاه الشيخ في " اللمع " ، وجعلهما مبنيين على أن هذه الأسماء منقولة ، أو حقائق شرعية . فمن قال : منقولة ، قال : هي مجملة . قال : وهو الأصح . ومن قال : حقائق شرعية . قال : هي عامة . [ ص: 69 ] ونسب في " شرح الكفاية " القول بالإجمال في هذا إلى مذهب القاضي أبو الطيب . قال : وحكى الشافعي أن أبو علي الطبري جعله من المجمل ، لأن مدلول الصلاة في اللغة والشرع مختلف . قال الشافعي : وأجاز الأستاذ أبو منصور الاستدلال بعموم قوله : { الشافعي وأقيموا الصلاة } ، لأن الشرع وإن ضم إليه أوصافا وشروطا ، فقد ضم إلى السرقة في آية القطع بها نصابا وحرزا ، ومع ذلك يجوز الاستدلال بعموم قوله : { والسارق والسارقة } إلا ما خصه الدليل ، فكذلك الصوم والصلاة .
ومنها : الألفاظ التي علق التحريم فيها على الأعيان ، كقوله : { حرمت عليكم الميتة } { حرمت عليكم أمهاتكم } وفيها وجهان :
أحدهما : أنها مجملة لا يصح التعلق بظاهرها ، لأن العين لا توصف بالتحليل والتحريم ، وإنما الموصوف بهما أفعالنا ، وهي غير مذكورة ، فافتقر إلى بيان ما يحرم من الأفعال ، وما لا يحرم ، وبه قال ، وتلميذه الكرخي أبو عبد الله البصري . وإذا قلنا بهذا ، فاختلفوا لأي وجه .
الوجه الثاني : وهو الأصح ، أنها ليست مجملة ، لأن المعقول منه التصرف ، فيعم جميع أنواع التصرفات من العقد على الأم ووطئها ، وأكل الميتة والتصرف فيها وهو حقيقة في ذلك ، وهو قول القاضي عبد الجبار ، وأبي علي وابنه ، أبي هاشم وأبي الحسين من المعتزلة ، لقوله : { اليهود ، حرمت عليهم الشحوم ، فجملوها ، وباعوها ، فأكلوا ثمنها } فدل على [ ص: 70 ] أن تحريمها أفاد جميع أنواع التصرف ، وإلا لم يتجه اللعن في البيع . قال لعن الله ، الشيخ أبو إسحاق وسليم : هذا هو الصحيح . وقال ابن برهان : إنه مذهب ، وإن الأول قول الحنفية . الشافعي
وقال : مثل قوله تعالى : { الشيخ أبو حامد الإسفراييني حرمت عليكم أمهاتكم } { حرمت عليكم الميتة } لا خلاف أنه ما أريد به تحريم العين نفسها . وإنما أريد به تحريم أفعالنا ، وهو حقيقة فيه . وقال بعض الحنفية : هي حقيقة في تحريم العين ، مجاز في تحريم الفعل ، فلا يحتج به إلا بدليل . ولنا أن الصحابة احتجوا بظاهر هذه الآيات في إثبات التحريم ، ولم ينقل عنه أنهم رجعوا في ذلك إلى شيء آخر .
وجعل من أمثلة المسألة قوله : { القاضي أبو الطيب } . قال : فمن أصحابنا من قال : مجمل ، لأن الأعيان لا تدخل في التحريم ، إنما تدخل الأفعال ، ويحتمل أن يكون المراد المرور أو المكث ، فيتوقف فيه . وقيل : ليس إضمار أحدهما بأولى من الآخر متعينا ، وإليه ذهب بعض الحنفية . لا أحل المسجد لجنب ولا حائض
واعلم أن هذه المسألة هي عين مسألة المقتضى هل له عموم في جميع مقدراته أم لا ؟ ممن يمنع العموم في بابه ، ويقول به هاهنا ، إلا أن يدعى أنه لا تلازم بين نفي الإجمال والعموم . قال وابن الحاجب : اختلف أصحابنا في قوله : { القاضي أبو الطيب } على وجهين : [ ص: 71 ] أحدهما : أنه مجمل ، لأن المجمل يوجد بغير النية ، فيجب أن تكون النية شرطا في الجواز أو الفضيلة ، ولا ذكر لهما في الخبر ، فليس إضمار أحدهما بأولى من الآخر ، ولا يجوز دعوى العموم فيهما ، لأن العموم للألفاظ ، فيجب التوقف فيه . إنما الأعمال بالنيات
والثاني : ليس بمجمل ، لأنه قصد بيان الشرع دون اللغة ، وإضمار أحدهما خلاف الأصل ، فيجب العموم . قال : وقلت : أما إذا ثبت أنه قصد بيان الشرع ، وجب أن تكون النية شرطا في العمل دون صفته ، فلا يصح العمل شرعا إلا بالنية ، وهذا الجواب يغني عن دعوى العموم فيه . وقال أبو الحسين بن القطان : إذا قيل : { } ، { إنما الأعمال بالنيات } أفاد شيئين : أحدهما : إذا وقع بهذا صح ، وإذا لم يأت به لم يصح . وهذا معقول الخطاب . وقيل : أراد الكمال لا الصحة . ولنا إذا بطل الصحة ، بطل الكمال أيضا . فهو أكثر عموما فهو أكثر فائدة . قال : وكان وإنما الولاء لمن أعتق يقول : قوله : { ابن أبي هريرة } ، ليس المراد إخراجه من العدم إلى الوجود ، فتعين أن يكون المراد به صحته أو كماله ، لكن حمله على الصحة أولى ، لأنه إنما يكون عاملا بنيته . ومنها : قوله تعالى : { إنما الأعمال بالنيات وامسحوا برءوسكم } ذهب بعض الحنفية إلى أنه مجمل . لتردده بين الكل والبعض ، والسنة بينت البعض . وحكاه في المعتمد عن أبي عبد الله البصري ، وقال [ ص: 72 ] آخرون : لا إجمال ، ثم اختلفوا ، فقالت المالكية : يقتضي مسح الجميع ، لأن الرأس حقيقة في جميعهما ، والباء إنما دخلت للإلصاق . وقال فيما حكاه " صاحب المصادر " : إنه يقتضي التبعيض . قال : لأن المسح فعل متعد بنفسه غير محتاج إلى حرف التعدية ، بدليل قوله : مسحته كله ، فينبغي أن يفيد دخوله الباء فائدة جديدة ، فلو لم يفد التبعيض لبقي اللفظ عاريا عن الفائدة . الشريف المرتضى
وقالت طائفة : إنها حقيقة فيما ينطلق عليه الاسم ، وهو القدر المشترك بين مسح الكل والبعض ، فيصدق بمسح البعض . ونسبه في " المحصول " . قال للشافعي هنا : وهو الحق وهو مخالف لإثباته مجيء الباء للتبعيض . ونقل البيضاوي ابن الحاجب عن الشافعي وأبي الحسين وعبد الجبار ثبوت التبعيض بالعرف ، والذي في المعتمد عن لأبي الحسين عبد الجبار أنها تفيد في اللغة تعميم مسح الجميع ، لأنه متعلق بما يسمى رأسا ، وهو اسم للجملة لا للبعض ، لكن العرف يقتضي إلحاق المسح بالرأس إما جميعه ، وإما بعضه ، فيحمل الأمر عليه ثم قال : إنه الأولى ، ثم قال : وعلى قول ابن الحاجب ومن وافقه لا إجمال . ا هـ . الشافعي
قلت : وعبارة في كتاب " أحكام القرآن " : فكان معقولا في الآية أن من مسح من رأسه شيئا ، فقد مسح برأسه ، ولم تحتمل الآية إلا هذا ، وهذا أظهر معانيها ، أو مسح الرأس كله . قال : فدلت السنة على أن ليس على المرء مسح رأسه كله ، وإذا دلت السنة على ذلك فمعنى الآية : أن من مسح شيئا من رأسه أجزأه . ا هـ . فلم يثبت التبعيض بالعرف كما زعم الشافعي . [ ص: 73 ] وقال صاحب " المصادر " : ينبغي على قول الشافعية أن يكون مجملا ، لأنه إذا أفاد إلصاق المسح بالرأس من غير تعميم أو تبعيض صار محتملا لهما ، فيصير مجملا . وقولهم : إنه صار مفيدا للتبعيض ممنوع . ابن الحاجب
وقال الأصفهاني : مذهب الأولين أقرب إلى النص ، ومذهب ، الشافعي أقرب إلى الفعل . وأبي حنيفة
ومنها قال بعض الحنفية : آية السرقة مجملة ، إذ اليد للعضو من المنكب والمرفق والكوع لاستعمالها فيها ، والقطع للإبانة والشق ، لأنه استعمل فيهما ومنعه الجمهور ، بل اليد حقيقة في العضو إلى المنكب ، ولما دونه مجاز ، لصحة بعض اليد ، ولفهم الصحابة إذ مسحوا إلى الآباط لما نزلت آية التيمم ، والمجاز خير من الاشتراك .
وقال بعضهم : اليد في الشرع تستعمل مطلقة ومقيدة ، فالمطلقة تنصرف إلى الكوع بدليل آية التيمم ، وآية السرقة وآية المحاربة . وقوله : { } وقوله : { فلا يغمس يده حتى يغسلها ثلاثا } والمقيدة بحسب ما قيدت به ، كآية الوضوء ، فلا إجمال ، والقطع حقيقة في الإبانة ، وإطلاقه على الشق لوجودها فيه ، والتواطؤ خير من الاشتراك . إذا أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ
ومنها : ما ورد من الأوامر بصيغة الخبر ، كقوله تعالى { والجروح قصاص } وقوله : { والمطلقات يتربصن } قوله عليه السلام : { } فذهب [ ص: 74 ] الجمهور إلى أنها تفيد الإيجاب ، وقال قوم من الأصوليين وأصحاب الثيب تشاور : إنه موقوف فيه إلى دليل يعين جهة من الجهات ، لأنه يتعذر الحمل على ظاهره ، وهو الخبر لأنا نجد مطلقة لا تتربص ، وجرحا لا يقتص ، وثيبا لا تشاور . واللفظ لا يتعرض لجهة أخرى بالنص فلا بد في تعيين الجهة من دليل . وحجة الجمهور أنها خير من الله . فلو حمل على حقيقة الخبر ، لزم الخلف في خبر الله ، فوجب حملها على إرادة الأمر ، كذا حكاه صاحب " الكبريت الأحمر " وأدخله في باب الإجمال . . الشافعي