[ ص: 214 ] فصل في
nindex.php?page=treesubj&link=22189بيان الحكمة في نسخ الشرائع ذكره
الإمام فخر الدين في " المطالب العالية " وهو أن الشرائع قسمان : منها ما يعرف نفعها بالعقل في المعاش والمعاد . ومنها سمعية لا يعرف الانتفاع بها إلا من السمع . فالأول : يمتنع طرو النسخ عليها كمعرفة الله وطاعته أبدا ، ومجامع هذه الشرائع العقلية أمران : التعظيم لأمر الله ، والشفقة على خلق الله . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=83وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا } .
والثاني : ما يمكن طريان النسخ والتبديل عليه أمور تحصل في كيفية إقامة الطاعات العقلية والعبادات الحقيقية . وفائدة نسخها أن الأعمال البدنية إذا واظبوا عليها خلفا عن سلف صارت كالعادة عند الخلق ، وظنوا أن أعيانها مطلوبة لذاتها . ومنعهم ذلك من الوصول إلى المقصود ، وهو معرفة الله وتمجيده ، فإذا غير ذلك الطريق إلى نوع من الأنواع وتبين أن المقصود من هذه الأعمال رعاية أحوال القلب والأرواح في المعرفة والمحبة انقطعت الأوهام عن الاشتغال عن تلك الصور والظواهر إلى علام السرائر . وذكر غيره في ذلك وجوها : منها : أن الخلق طبعوا على الملالة من الشيء ، فوضع في كل عصر شريعة جديدة لينشطوا في أدائها . ومنها : بيان شرف نبينا عليه السلام ، فإنه نسخ بشريعته شرائعهم ، وشريعته لا ناسخ لها . ومنها : ما فيه من حفظ مصالح العباد كطبيب يأمر بدواء في كل يوم وفي اليوم الثاني بخلافه للمصلحة .
[ ص: 215 ]
ومنها : ما فيه من البشارة للمؤمنين برفع الخدمة ومؤنتها عنهم في الجنة ، فجريان النسخ عليها في الدنيا يؤذن برفعها في الجنة {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=39يمحوا الله ما يشاء ويثبت } . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في " الرسالة " أن فائدة النسخ رحمة الله بعباده والتخفيف عنهم ، وأورد عليه أنه قد يكون بأثقل . وجوابه : أنه رحمة في الحقيقة بالوجوه التي ذكرنا . .
[ ص: 214 ] فَصْلٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=22189بَيَانِ الْحِكْمَةِ فِي نَسْخِ الشَّرَائِعِ ذَكَرَهُ
الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي " الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ " وَهُوَ أَنَّ الشَّرَائِعَ قِسْمَانِ : مِنْهَا مَا يُعْرَفُ نَفْعُهَا بِالْعَقْلِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ . وَمِنْهَا سَمْعِيَّةٌ لَا يُعْرَفُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا مِنْ السَّمْعِ . فَالْأَوَّلُ : يَمْتَنِعُ طُرُوُّ النَّسْخِ عَلَيْهَا كَمَعْرِفَةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ أَبَدًا ، وَمَجَامِعُ هَذِهِ الشَّرَائِعِ الْعَقْلِيَّةِ أَمْرَانِ : التَّعْظِيمُ لِأَمْرِ اللَّهِ ، وَالشَّفَقَةُ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=83وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا } .
وَالثَّانِي : مَا يُمْكِنُ طَرَيَان النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ عَلَيْهِ أُمُورٌ تَحْصُلُ فِي كَيْفِيَّةِ إقَامَةِ الطَّاعَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْعِبَادَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ . وَفَائِدَةُ نَسْخِهَا أَنَّ الْأَعْمَالَ الْبَدَنِيَّةَ إذَا وَاظَبُوا عَلَيْهَا خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ صَارَتْ كَالْعَادَةِ عِنْدَ الْخَلْقِ ، وَظَنُّوا أَنَّ أَعْيَانَهَا مَطْلُوبَةٌ لِذَاتِهَا . وَمَنَعَهُمْ ذَلِكَ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَقْصُودِ ، وَهُوَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَتَمْجِيدُهُ ، فَإِذَا غَيَّرَ ذَلِكَ الطَّرِيقَ إلَى نَوْعٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْأَعْمَالِ رِعَايَةُ أَحْوَالِ الْقَلْبِ وَالْأَرْوَاحِ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ انْقَطَعَتْ الْأَوْهَامُ عَنْ الِاشْتِغَالِ عَنْ تِلْكَ الصُّوَرِ وَالظَّوَاهِرِ إلَى عَلَّامِ السَّرَائِرِ . وَذَكَرَ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ وُجُوهًا : مِنْهَا : أَنَّ الْخَلْقَ طُبِعُوا عَلَى الْمَلَالَةِ مِنْ الشَّيْءِ ، فَوَضَعَ فِي كُلِّ عَصْرٍ شَرِيعَةً جَدِيدَةً لِيَنْشَطُوا فِي أَدَائِهَا . وَمِنْهَا : بَيَانُ شَرَفِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَإِنَّهُ نَسَخَ بِشَرِيعَتِهِ شَرَائِعَهُمْ ، وَشَرِيعَتُهُ لَا نَاسِخَ لَهَا . وَمِنْهَا : مَا فِيهِ مِنْ حِفْظِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ كَطَبِيبٍ يَأْمُرُ بِدَوَاءٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي بِخِلَافِهِ لِلْمَصْلَحَةِ .
[ ص: 215 ]
وَمِنْهَا : مَا فِيهِ مِنْ الْبِشَارَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِرَفْعِ الْخِدْمَةِ وَمُؤْنَتِهَا عَنْهُمْ فِي الْجَنَّةِ ، فَجَرَيَانُ النَّسْخِ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا يُؤْذِنُ بِرَفْعِهَا فِي الْجَنَّةِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=39يَمْحُوَا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } . وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فِي " الرِّسَالَةِ " أَنَّ فَائِدَةَ النَّسْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ بِعِبَادِهِ وَالتَّخْفِيفُ عَنْهُمْ ، وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِأَثْقَلَ . وَجَوَابُهُ : أَنَّهُ رَحْمَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ بِالْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا . .