[ ص: 255 ] المبحث العاشر
الوصية للأقارب
وتحته مطالب:
المطلب الأول مصرف الوصية للأقارب
إذا قال: هذه وصية لقرابتي، فاختلف الفقهاء -رحمهم الله تعالى- في المراد بالقرابة على أقوال:
القول الأول: أنه يدخل في ذلك كل من عرف بقرابته من جهة أبيه وأمه من غير تقييد.
وهو احتمال ذكره في الكافي ، وصححه الحارثي من الحنابلة .
وعند المالكية أنهم قرابته من جهة أبيه ومن جهة أمه.
فيشمل كل من يقرب لأبيه، وأمه.
قال الخرشي والدسوقي: « إذا قال: هذا حبس على أقاربي، فإنه يدخل أقاربه من الجهتين، فيدخل كل من يقرب لأبيه من جهة أبيه ، أو من أمه من الذكور والإناث، ويدخل كل من يقرب لأمه من جهة أمها، أو من جهة أبيها [ ص: 256 ] من الذكور والإناث، فتدخل العمات والخالات وأولادهن، والأخوة، وبنات الأخ، وبنات الأخت، والخال وابنه ، ولا فرق بين المسلم والذمي.
ورواية عن وفي قول أحمد، للمالكية: كل قرابته من قبل الأب الذين ينتسبون إلى الأب الأدنى دون قرابته من قبل الأم.
القول الثاني: أنهم قرابته من جهة أبيه، وجهة أمه الذين ينتسبون إلى الأب الأدنى، ما خلا الأب والأم وولد الصلب إن كانت الوصية على غير قرابة الموصي، وورثته إن كان الوقف على قرابته.
وهو الصحيح من مذهب الشافعية .
وفي وجه لهم أن المراد بالقرابة: قرابته من قبل الأب، الذين ينتسبون إلى الأب الأدنى دون قرابته من قبل الأم في الوصية على العربي دون الأعجمي.
القول الثالث: كل من يناسبه إلى أقصى أب له في الإسلام من قبل أبويه ، سوى أبويه وولده لصلبه.
وهو المذهب عند الحنفية ، وزاد الجد، وابن الابن، وقال أبو يوسف: كل ذي رحم محرم من قبل الأب والأم، ما خلا أبويه وجده وولده دون الكافر، ويسوى بينهم. أبو حنيفة:
القول الرابع: قرابة الرجل: أولاده، وأبوه، وجده، وجد أبيه، وأولادهم.
وهو المذهب عند الحنابلة .
[ ص: 257 ] وفي رواية عن يختص بثلاثة آباء. أحمد:
وعن يختص بولده وقرابة أبيه وإن علا. الإمام أحمد:
وعن أنه يختص بمن يصله منهم. أحمد:
قال « وإن وقف على قرابته أو قرابة فلان، فهو للذكر والأنثى من أولاده، وأولاد أبيه وجده، وجد أبيه، ويستوي الذكر والأنثى » . ابن قدامة:
الأدلة:
أدلة القول الأول: (أنهم كل من عرف بقرابته من جهة أبيه أو أمه ) :
(225 ) 1 - ما رواه البخاري من طريق ومسلم عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، -رضي الله عنهما- قال: ابن عباس وأنذر عشيرتك الأقربين أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- الصفا فصعد عليه، ثم نادى: « يا صباحاه » ، فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه، وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني لؤي، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟ » ، قالوا: نعم، قال: « فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد » . لما أنزل الله عز وجل:
(226 ) ولما روي عن -رضي الله عنه- قال: أبي هريرة وأنذر عشيرتك الأقربين ، دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قريشا، فعم وخص، فقال: « يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من [ ص: 258 ] النار، يا أنقذي نفسك من النار، فإني - والله - لا أملك لكم من الله شيئا، إلا أن لكم رحما سأبلها ببلالها » فاطمة بنت محمد . لما نزلت هذه الآية:
وجه الدلالة: قال ابن حجر: « موضع الشاهد منه قوله فيه: « ويا ، ويا صفية » فإنه سوى في ذلك بين عشيرته فعمهم أولا، ثم خص بعض البطون، ثم ذكر عمه فاطمة وعمته العباس، ، صفية وابنته، فدل على دخول النساء في الأقارب وعلى دخول الفروع أيضا، وعلى عدم التخصيص بمن يرث ولا بمن كان مسلما » .
ونوقش: قال ابن حجر: يحتمل أن يكون لفظ الأقربين صفة لازمة للعشيرة، والمراد بعشيرته قومه، وهم قريش....، وعلى هذا فيكون قد أمر بإنذار قومه، فلا يختص ذلك بالأقرب منهم دون الأبعد، فلا حجة فيه في مسألة الوقف ; لأن صورتها ما إذا وقف على قرابته ، أو على أقرب الناس إليه مثلا - ، والآية تتعلق بإنذار العشيرة، فافترقا » .
2 - ما رواه -رضي الله عنه- قال: أنس لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قال أرى ربنا يسألنا من أموالنا ، فأشهدك يا رسول الله أني قد جعلت أرضي أبو طلحة: بيرحا لله ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « اجعلها في قرابتك » ، فجعلها في حسان بن ثابت، وأبي بن كعب . لما نزلت هذه الآية:
[ ص: 259 ] ويجتمع مع أبو طلحة حسان في الأب الثالث، ومع أبي في الأب السادس.
3 - صدق اسم القرابة على كل من عرف بقرابته، فيشمل الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والغني والفقير، والمحرم وغير المحرم.
ودليل المالكية : أن المراد بالقرابة كل قريب من جهة الأب أو الأم: ما تقدم من دليل القول الأول.
ودليل من قال القرابة من ينسب إلى الأدنى: أن العرب لا تفهم من مطلق اسم القرابة إلا قرابة الأب; لأن العرب تفتخر بآبائها بخلاف قرابة الأم.