الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        الحالة الثانية: الفوات لغير عذر.

        إذا تمكن من أفطر من قضاء ما عليه من صيام، بأن زال عذره حتى أصبح قادرا على الصوم ثم توفي قبل أن يصوم ما عليه، فقد اختلف العلماء في حكم الصيام عنه على أقوال:

        القول الأول: أن الولي يخير بين الصيام والإطعام.

        وهو مذهب الشافعية في القديم، واختاره النووي، والحنابلة في رواية، وهو اختيار أبي الخطاب من الحنابلة.

        [ ص: 110 ] وممن قال به من السلف طاوس، والحسن، والزهري، وقتادة، وأبو ثور، وداود، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.

        قال البيهقي: «والأحاديث المرفوعة في الصيام عن الميت أصح إسنادا، وأشهر رجالا، وقد أودعها صاحبا الصحيح كتابيهما، ولو وقف الشافعي على جميع طرقها وتظاهرها لم يخالفها إن شاء الله».

        وقال النووي: «الصواب الجزم بجواز صوم الولي عن الميت للأحاديث الصحيحة، ولا معارض لها، ويتعين أن يكون هذا مذهب الشافعي; لأنه قال: «إذا صح الحديث فهو مذهبي، واتركوا قولي المخالف له».

        وقال ابن حجر: «إنه قول أصحاب الحديث».

        القول الثاني: أنه يطعم عنه ولا يصام.

        وبه قال الحنفية، والمالكية، والشافعي في الجديد، وبه قال الليث، والأوزاعي، والثوري، والحسن في رواية.

        [ ص: 111 ] واشتراط الحنفية والمالكية لوجوب الإطعام عنه: أن يوصي به، فإن لم يوص به فلا شيء عليه، وإن تبرع الوارث بالإطعام عنه جاز.

        وعندهم الوصية واجبة إن كان له مال من ثلث التركة، وما زاد يتوقف على إجازة الورثة، وأضاف الحنفية بأن يكون أدرك عدة من الأيام بقدر ما فاته من الصيام صحيحا مقيما قادرا على الصوم.

        وعند الشافعية والحنابلة ورواية عن مالك: يلزم الإطعام أوصى به الميت أو لم يوص من جميع ماله، فإن لم يكن له تركة لم يلزم الولي بالإطعام، وإنما يسن له ذلك تفريغا لذمة الميت وفكا لرهانه.

        كما نص الشافعية على أنه يعتبر في إخراج الإطعام من التركة أن يكون ما يخرجه فاضلا عن مؤنة تجهيزه، ويقدم على دين الآدمي إن فرض أن على الميت دينا.

        القول الثالث: يطعم عنه وجوبا لكل يوم مسكين، وذلك في كل صوم واجب غير النذر، أما النذر فيصام عنه استحبابا.

        وبه قال الحنابلة في المعتمد عندهم.

        وقال به الليث، وابن راهويه، وأبو عبيد، وأبو ثور في رواية، وأبو داود.

        [ ص: 112 ] قال ابن القيم: «هو مذهب أحمد المنصوص عنه، وهو أعدل الأقوال، وعليه يدل كلام الصحابة، وبه يزول الإشكال، وهو مقتضى الدليل والقياس».

        القول الرابع: ذهب ابن حزم -رحمه الله- إلى فرض الصيام على وليه دون غيره، حيث قال: «من مات وعليه صوم فرض من قضاء رمضان، أو نذر، أو كفارة واجبة، ففرض على أوليائه أن يصوموه عنه هم أو بعضهم، ولا إطعام في ذلك أصلا، أوصى أو لم يوص به، فإن لم يكن له ولي استؤجر عنه من رأس ماله من يصومه عنه ولا بد أوصى أو لم يوص، وهو مقدم على ديون الناس».

        سبب الخلاف:

        1- معارضة القياس للآثار الواردة في هذا الموضوع

        فالقائل بتقديم القياس على الخبر يرى وجوب الإطعام عن الصوم الواجب في ذمة الميت، وأن الصيام غير مجزئ عنه، والقائل بتقديم الخبر على القياس يرى جواز الصوم نيابة عن الميت.

        2- فتوى الراوي بخلاف ما رواه مرفوعا.

        فالقائل بأن العبرة بما أفتى لا بما روى، قال بالإطعام عن الصوم الواجب في ذمة الميت.

        [ ص: 113 ] والقائل بأن العبرة بما روى لا بما أفتى، قال بالصيام عن الميت.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية