الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        المطلب الحادي عشر: إجارة مال اليتيم، ونحوه

        اتفق الفقهاء على أنه يجوز للولي أن يؤجر بدن اليتيم أو ماله إذا كان على وجه النظر والمصلحة، كأجرة المثل، أو بأقل منها قدر ما يتغابن الناس عادة، وليس له أن يؤجر نفسه أو ماله بأقل من قيمته قدر ما لا يتغابن الناس به.

        وكذا للولي أن يستأجر لليتيم من ماله من يحضنه، أو يكفله.

        [ ص: 289 ] وإذا أجر الولي اليتيم أو ماله، ثم بلغ في أثنائها رشيدا، فهل له الخيار في فسخ الإجارة أو لا؟للعلماء في ذلك أقوال:

        القول الأول: أن له الخيار في إجارة النفس، وليس له الخيار في إجارة المال، وبه قال الحنفية.

        وحجته:

        1- قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود

        وجه الدلالة: أن الله -عز وجل- أمر بإيفاء العقد، ويدخل في ذلك ما عقده الولي من الإجارة على مال اليتيم; لأنه مأذون له في ذلك.

        ونوقش: بأنه مأذون له حال ولايته وهو ما قبل البلوغ، دون ما بعده فلا يملك التصرف فيه.

        2- أن إجارة مال الصغير تصرف في ماله على وجه النظر، فيقوم الولي مقامه.

        3- وأما تأجير نفسه فتصرف على نفسه بالاضطرار، وكان ينبغي أن لا يملكها الولي، إلا أنه ملكها من حيث إنها نوع رياضة وتهذيب، والولي يملك ذلك.

        القول الثاني: أن له الخيار مطلقا، لكن يستثنى من ذلك إذا ظن عدم البلوغ فيها، وبلغ وقد بقي من المدة شيء يسير.

        وبه قال المالكية.

        [ ص: 290 ] القول الثالث: أن الولي إذا أجر اليتيم أو ماله مدة لا يبلغ فيها بالسن، فبلغ بالاحتلام، وهو رشيد فلا تنفسخ الإجارة.

        ولو كانت المدة يبلغ فيها بالسن، بطلت الإجارة فيما بعد البلوغ، أما إذا بلغ سفيها فلا تبطل.

        وبه قال الشافعية.

        وحجته:

        1- أن الولي بنى تصرفه على المصلحة.

        2- أنه إذا كانت المدة يبلغ فيها، فقد تصرف في شيء لا يملكه بعد البلوغ.

        3- أنه إذا بلغ سفيها، فهو كالصبي باستمرار الولاية عليه.

        4- أن الولي إذا أجر اليتيم مدة أو أجر ماله مدة، ثم بلغ اليتيم قبل انقضاء مدة الإجارة، فإن كان الولي يعلم بلوغ اليتيم في المدة بأن أجره سنتين وهو ابن أربع عشرة سنة، انفسخت الإجارة وقت بلوغه; لئلا يفضي إلى أن يعقد على جميع منافعه طول عمره، وأن يتصرف في غير زمن ولايته عليه.

        ولئلا يفضي إلى أن يعقد على جميع منافعه طول عمره.

        الترجيح:

        الراجح -والله أعلم- ما ذهب إليه القول الأول; لقوة دليله في مقابل ضعف دليل القول الثاني بمناقشته.

        * * *

        [ ص: 291 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية