المطلب العاشر: الأخذ لليتيم ونحوه بالشفعة
اتفق الفقهاء على أن الصغير مثل الكبير في استحقاق الشفعة; بل يستحقها الحمل.
إذا ثبتت الشفعة لليتيم فالذي يقوم بطلبها هو أو وليه، فإذا بيع شقص في شركة اليتيم، وكان له حظ في الأخذ له بالشفعة، بأن كان الشراء رخيصا، أو بثمن مثل، وله مال أخذ له بالشفعة، وإن كان له حظ بالترك بأن كان لا مال له، أو في موضع أشرف على الهلاك، أو بأكثر من القيمة، لم يأخذ له بالشفعة; لأن الولي مأمور بفعل المصلحة، فيأخذ أو يترك تبعا للمصلحة.
وأما إذا استوت المصلحة بالأخذ والترك، فإن ظاهر قوله تعالى: [ ص: 287 ] ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن دالة على المنع عند الاستواء لورودها بصيغة التفضيل، وحيث أخذ الولي بالشفعة لكونه أحظ ثبت الملك لليتيم، ولم يملك نقضه بعد البلوغ، كما لو اشترى له دارا.
وإذا لم يكن لليتيم ولي فهو على شفعته إذا أدرك; لأن الحق قد ثبت له، ولا يتمكن من استيفائه قبل الإدراك، كالغائب إذا لم يعلم فإنه على شفعته إذا علم.
وإذا ترك الولي الأخذ بالشفعة، فهل لليتيم الأخذ بالشفعة إذا كبر؟
للعلماء أقوال:
القول الأول: أن له حق المطالبة إذا بلغ ورشد، وكان له حظ في الأخذ، أما إذا لم يكن له حظ فليس له حق المطالبة.
وبه قال المالكية، وهو الظاهر عند الشافعية، وبه قال القاضي من الحنابلة.
وحجته: أن ترك الشفعة حينئذ لم يدخل تحت ولاية الولي; إذ لم يؤذن له في ذلك.
القول الثاني: أن اليتيم له حق المطالبة بالشفعة مطلقا، سواء كان الحظ في الأخذ أو الترك.
وبه قال محمد من الحنفية، وبعض الشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة.
وحجته: أن حق الأخذ ثبت، فلا يسقط بترك غيره كوكيل غيره.
[ ص: 288 ] ونوقش هذا الاستدلال: بأنه غير مسلم; لأن الغائب غير محجور عليه، بخلاف الصغير فإن وليه قائم مقامه فيما فيه مصلحة.
القول الثالث: أن اليتيم ليس له حق المطالبة بالشفعة مطلقا.
وبه قال أبو حنيفة، وهو قول عند وأبو يوسف، المالكية.
وحجته: أن الأخذ بالشفعة بمنزلة الشراء، فإسقاط الشفعة امتناع من الشراء، وللولي أن يمتنع عن الشراء; لأنه يتصرف بالمصلحة.
ونوقش: بأن الشفعة استحقاق وليست شراء، بدليل أنها تثبت للحمل.
الترجيح:
الراجح -والله أعلم- هو القول الأول; إذ فيه النظر لليتيم، والعمل على مصلحته.
* * *