[ ص: 65 ] المبحث الخامس: ظهور دين على الواقف
تقدم أن عقد الوقف عقد لازم، وأنه لا يجوز الرجوع فيه وإبطاله، لكن إذا ظهر على الواقف دين، فهل يجوز إبطال الوقف لوفاء الدين؟.
للعلماء في ذلك قولان:
القول الأول: أنه لا يجوز إبطال الوقف لوفاء الدين.
وهو قول جمهور أهل العلم: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.
وحجته: ما تقدم من الأدلة على لزوم الوقف، وعدم جواز الرجوع فيه، وهذا يشمل ما إذا ظهر على الواقف دين.
القول الثاني: أنه يجوز الرجوع في الوقف إذا ظهر على الواقف دين، فإنه يباع لوفاء دينه.
وبه قال بعض الحنابلة.
قال شيخ الإسلام: «إن كان الوقف في الصحة، فهل يباع لوفاء الدين؟ فيه خلاف بين العلماء في مذهب وغيره، ومنعه قول قوي» . أحمد
[ ص: 66 ] وحجته: حديث رضي الله عنه قال: جابر بن عبد الله . أعتق رجل من الأنصار غلاما له عن دبر وكان محتاجا، وكان عليه دين، فباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانمائة درهم فأعطاه، فقال: «اقض دينك، وأنفق على عيالك»
قال شيخ الإسلام: «وليس هذا بأبلغ من التدبير، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم باع المدبر في الدين» .
ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما باع المدبر في هذا الحديث; لأن الذي دبر ليس له مال غيره، فكان تدبيره سفها من فاعله، فرده عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فهو نظير رد الرسول صدقة كعب رضي الله عنه، فقد روى البخاري من طريق ومسلم عبد الله بن كعب قال: . يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، فقال: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك»
الوجه الثاني: أنه لا دلالة في الحديث; إذ الدين بعد الوقف، فلم يكن مبطلا، وفي الحديث التدبير مقارن للصدقة بالمال.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - عدم جواز الرجوع في الوقف; لظهور دين على الواقف; لأن لزوم الوقف سابق، ولأن الدين لا يجب وفاؤه على المعسر; لقوله تعالى : وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة .