ثانيا: مذهب المالكية:
يرون ويعنون بالشرط الجائز ما لا يكون ممنوعا شرعا - وإن كان مكروها - ، وما لا ينافي مقتضى الوقف، أو يكون فيه ضرر على الواقف أو المستحقين. صحة ولزوم كل شرط جائز شرعا في الوقف،
وتتضح هذه القاعدة في حكم شروط الواقفين عندهم بما ضربوه من الأمثلة للشروط الممنوعة، فمنها:
1 - أن لأنه شرط منافي لمقتضى الوقف من اللزوم والدوام. يشترط بأن له حق بيعه أو هبته في أي وقت يشاء، فهذا شرط [ ص: 76 ] باطل، ومبطل للوقف;
2 - أن فهذا الشرط ممنوع غير معتبر; لأنه يحول الوقف إلى كراء مجهول، وكراء المجهول ممنوع شرعا، فالشرط باطل، والوقف صحيح. يشترط أن يكون إصلاح الوقف على مستحقه من غير غلته،
3 - أن فهذا الشرط باطل لما فيه من الإضرار بالوقف، فلا يلزم الأخذ به، بل يجب تركه والبدء بمرمة الوقف والنفقة عليه من غلته حفاظا على بقاء عينه. يشترط الواقف تقديم الصرف على منافع أهله من غلة الموقوف، ويؤخر إصلاح ما تهدم منه إن كان عقارا، أو الإنفاق عليه إن كان حيوانا،
4 - أن الشرط باطل على الراجح في المذهب، ويبطل به الوقف; لما فيه من ارتكاب المنهي عنه شرعا وهو حرمان البنات. يشترط الواقف حرمان البنات من الاستحقاق في الوقف مطلقا أو بعد الزواج...فهذا
قال الدردير: «وبطل على معصية...أو على أن من تزوجت من بناته فلا حق لها في الوقف، وتخرج منه، ولا تعود له، ولو تأيمت» .
ثالثا: مذهب الشافعية:
بناء على كثير من أصولهم يذهبون إلى أن الأصل في الشروط في العقود الحظر إلا ما قام دليل على جوازه وصحته.
ولكنهم يرون أن بل إنهم يرون أن الدليل الخاص قد قام على صحة بعض شروط الواقفين، ولو كانت [ ص: 77 ] هناك قاعدة شرعية عامة تعارضها مثل التفريق بين الأولاد في استحقاقات الوقف. كل شرط في مصلحة الوقف والمستحقين، وليس منافيا لمقتضى الوقف فهو داخل تحت ما قام الدليل على صحته وجوازه،
ولهذا كانت القاعدة الشرعية العامة عندهم في حكم شروط الواقفين أنها تكون مرعية إذا كانت تحقق مصلحة للوقف، أو للمستحقين، ما لم يكن فيها منافاة لمقتضى الوقف، كشرط الخيار فيه أو شرط أن يبيعه ونحوه، فالشرط باطل، وهل يبطل به الوقف؟ الصحيح في المذهب بطلان الوقف عندئذ، وقيل: يصح الوقف، ويلغو الشرط.
ففي مغني المحتاج: «والأصل فيه أن شروط الواقف مرعية ما لم يكن فيها ما ينافي الوقف» .
وفيه: «(ولو وقف بشرط الخيار) لنفسه في إبقاء وقفه والرجوع فيه متى شاء أو شرطه لغيره أو شرط عوده إليه بوجه ما كان شرط بيعه أو شرط أن يدخل من شاء ويخرج من شاء (بطل على الصحيح) ...ومقابل الصحيح: يصح الوقف ويلغو الشرط، كما لو طلق على أن لا رجعة له» .
ومع أن الشافعية يرون صحة وجواز كل شرط يحقق مصلحة للوقف أو المستحقين إلا أنهم قد يختلفون في أن شرطا بعينه يحقق المصلحة فيصح، أو لا يحققها فلا يصح، ولو لم يعارض نصا شرعيا.
ومن الصور المختلف فيها عندهم:
جاء في مغني المحتاج: «والأصح أنه صح الوقف واتبع شرطه كسائر الشروط المتضمنة للمصلحة، والثاني: لا يتبع شرطه; لأنه حجر على المستحق في المنفعة» . إذا وقف بشرط أن لا يؤجر أصلا، أو لا يؤجر أكثر من سنة
[ ص: 78 ] واستنادا إلى قاعدة مراعاة مصلحة الوقف والمستحقين في شروط الواقفين أفتى بعض الفقهاء منهم بأن يستثنى من هذا المثال حال الضرورة، كما لو اشترط أن لا تؤجر الدار أكثر من سنة، ثم انهدمت، وليس لها جهة عمارة إلا بإجارة سنتين، أفتى بالجواز مخالفة لشرط الواقف; لأن المنع في هذه الحال يفضي إلى تعطيل الوقف، وهو مخالف لمصلحته، ووافقه على ذلك فابن الصلاح السبكي والأذرعي.
رابعا: مذهب الحنابلة:
مذهب الحنابلة أكثر المذاهب توسعا في تصحيح الشروط في العقود حيث لا يمنع إلا ما قام الدليل على منعه، وعندهم وكذلك كل شرط محرم أو يفضي إلى أمر محرم، أو إلى إخلال بالمقصود الشرعي، وأن كل شرط مناف لمقتضى الوقف داخل تحت ما ورد الشرع بمنعه فيبطل، كل شرط غير مناف لمقتضى الوقف، ولا هو منهي عنه شرعا، فهو شرط جائز معتبر.
جاء في شرح منتهى الإرادات للبهوتي: «وشرط بيعه أي: الوقف متى شاء الواقف، أو شرط هبته متى شاء، أو شرط خيار فيه، أو شرط توقيته، كقوله: هو وقف يوما أو سنة ونحوه، أو شرط تحويله، أي: الوقف كوقفت داري على جهة كذا على أن أحولها عنها أو عن الوقفية بأن أرجع فيها متى شئت، مبطل للوقف، لمنافاته لمقتضاه» .