أدلة القول الثاني 1 - أن المستأجر قام عن الناظر بما لا بد له منه; إذ إن إصلاح الوقف على الناظر واجب لحق الله تعالى لا لأجل المستأجر. [ ص: 375 ] 2 - أنه ما دام في تملك البناء منفعة لجهة الوقف، فإن في ذلك مصلحة تعود على المستحق، فيقاس على شراء ولي بناء ليتيم إذا رآه مصلحة.
القول الثالث: - حيث وجدا - ، لكن ما بناه من الأنقاض باق على ملكه، حتى إذا طلبه مكن من أخذه بشرط أن يغرم أرش ما هدمه من بناء الوقف ليعاد الوقف بذلك الأرش كما كان، فإن كان لا يضر بالوقف فلا أرش عليه. أن المستأجر لا يرجع بشيء مما صرفه بغير إذن الناظر والحاكم الشرعي
وبه قال بعض الحنفية، والشافعية.
قال ابن عابدين: «قوله: (وما بناه مستأجر وغرسه فله) : أي: إذا بناه من ماله بلا إذن الناظر، ثم إذا لم يضر رفعه بالبناء القديم رفعه، وإن أضر فهو المضيع لماله فليتربص إلى أن يتخلص من تحت البناء ثم يأخذه، ولا يكون بناؤه مانعا من صحة الإجارة من غيره; إذ لا بد له عليه حيث لا يملك رفعه، ولو اصطلحوا على أن يجعله للوقف بثمن لا يجاوز أقل القيمتين منزوعة أو مبنية فيه صح» .
وقال ابن حجر الهيتمي: «إن المستأجر لا يرجع بشيء مما صرفه بغير إذن الناظر والحاكم الشرعي، وإن كان إنما عمر لامتناع الناظر من العمارة، نعم إن عدما - أعني: الناظر والحاكم - أو غابا واضطر إلى العمارة فعمر بنية الرجوع، وأشهد على ذلك رجع فيما يظهر... وإذا تقرر أن ما بناه المستأجر من الأنقاض باق على ملكه وطلبه، فالظاهر - كما يأتي - أنا نمكنه من أخذه، لكن بشرط أن يغرم أرش ما هدمه من بناء الوقف; ليعاد الوقف بذلك الأرش [ ص: 376 ] كما كان، فإن كان ما يريد هدمه هو الذي عمره كله من ماله متعديا، فلا أرش عليه للهدم» .
ودليل هذا القول: أن المستأجر يعتبر متبرعا; لأنه تصرف في شيء لا يملكه بغير إذن.
قالوا: وإنما اعتبرت الأنقاض باقية على ملكه; لأن هناك فرقا بين الأعيان وغيرها من المصاريف، كأجر البنائين ونحوهم، وهو أن تلك الأجر أخرجها من يده إلى غيره أذن لهم في إتلافها، فلم يكن له الرجوع بها عليهم بهذا الإذن ولا على الوقف; لأنه كالمتبرع بها، وأما الأعيان الباقية فهي لا تخرج عن ملكه إلا بلفظ ولم يوجد.
هذا بالإضافة إلى أنه متعد يتحمل ما يلحقه من الضرر، وما فات من ماله فهو المضيع له.