المبحث الثاني: الهبة دون شرط العوض
اختلف أهل العلم في على قولين: الهبة المطلقة هل تقتضي العوض أو لا؟
القول الأول: أن الهبة تقتضي العوض مع العرف.
وهو مذهب المالكية، وهو قول عند الشافعية، وهو اختيار شيخ الإسلام.
القول الثاني: أن الهبة لا تقتضي العوض مطلقا.
وبه قال الحنفية، والشافعية في الأظهر عندهم، والحنابلة.
الأدلة:
أدلة القول الأول: (اقتضاء العوض مع العرف ) :
1 - عن رضي الله عنه قال: "من وهب هبة لصلة رحم أو على [ ص: 408 ] وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها". عمر بن الخطاب
وجه الاستدلال: أن رضي الله عنه جعل للواهب حق الرجوع ما دام أنه نوى الثواب، ولم يحصل له، فمن باب أولى إذا ادعى ذلك، وشهد له العرف. عمر
ويمكن أن يناقش: بأن مقتضى قول هو: الإطلاق في كل من نوى الثواب ولو لم يشهد له العرف، وهذا لا يقول به من استدل بالأثر. عمر
2 - عن عبد الله بن عامر قال: كنت جالسا عند فأتاه رجلان يختصمان إليه في باز، فقال أحدهما: وهبت له بازا رجاء أن يثيبني، وقال الآخر: وهب لي بازا وما تعرضت له، وما سألته، فقال فضالة: "اردد إليه هبته، أو أثبه منه، فإنما يرجع في المواهب النساء وشرار الأقوام". فضالة بن عبيد،
3 - عن رضي الله عنه قال: "المواهب ثلاثة: رجل وهب من غير أن يستوهب، فهي كسبيل الصدقة فليس له أن يرجع في صدقته، ورجل استوهب فوهب فله الثوب، فإن قبل على موهبته فليس له إلا ذلك، وله أن يرجع في هبته ما لم يثب، ورجل وهب واشترط الثواب، فهو دين على صاحبها في حياته وبعد وفاته". أبي الدرداء
ويرد عليها من المناقشة ما ورد على أثر رضي الله عنه. عمر
4 - ما ورد عن رضي الله عنهما قال: "من وهب هبة لوجه الثواب فلا بأس أن يرد". ابن عمر
[ ص: 409 ] حجة القول الثاني: (الهبة المطلقة لا تقتضي العوض ) :
أن الهبة تبرع فلا تقتضي الثواب إلا إذا شرط.
ونوقش: بأن المعروف عرفا كالمشروط لفظا.
ثمرة الخلاف:
تظهر ثمرة الخلاف عند المخاصمة، فلو اختصم المتواهبان، فادعى الواهب إرادة الثواب، وأنكره الموهوب له.
فالقائلون: بأن الهبة في الأصل لا تقتضي ثوابا لا يقبلون قول الواهب إذا شهد له العرف بذلك.
وأما إذا لم يشهد العرف والعادة بذلك، فالذي يظهر أن الواهب لا يقبل قوله إلا على وجه ضعيف للشافعية.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - أن الهبة تقتضي العوض مع العرف; لقوة ما استدلوا به من آثار الصحابة، وللقاعدة أن المعروف عرفا كالمشروط لفظا.
فرع:
"ألحق بذلك - أي: عدم اقتضاء الهبة الثواب - سبعة أنواع هبة الأهل والأقارب; لأن القصد الصلة، وهبة العدو; لأن القصد التآلف، وهبة الغني للفقير; لأن المقصود نفعه، والهبة للعلماء والزهاد; لأن القصد القربة والتبرك، وهبة المكلف لغيره لعدم صحة الاعتياض منه، والهبة للأصدقاء. الماوردي
[ ص: 410 ] والإخوان; لأن القصد تأكد المودة، والهبة لمن أعان بجاهه أو ماله; لأن المقصود مكافأته".
[ ص: 411 ]