الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        [ ص: 57 ] المبحث الثالث

        الشرط الثالث: اشتراط القربة لصحة الوصية

        الأصل في الوصية أن يقصد بها التقرب إلى الله تعالى بذلك.

        كالوصية ببر ذوي الأرحام وصلتهم من غير الوارثين، والوصية ببناء مسجد أو مدرسة علم، ونحو ذلك.

        وقد اختلف العلماء رحمهم الله في صحة الوصية فيما ليس قربة من المباحات على قولين:

        القول الأول: عدم اشتراط القربة لصحة الوصية.

        وإلى هذا ذهب الجمهور: فهو مذهب الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة .

        القول الثاني: اشتراط القربة لصحة الوصية.

        وهذا قول شيخ الإسلام.

        قال رحمه الله: « فأما الأعمال التي ليست طاعة الله ورسوله فلا ينتفع بها الميت بحال، فإذا اشترط الموصي أو الواقف عملا أو صفة لا ثواب فيها [ ص: 58 ] كان السعي في تحصيلها سعيا فيما لا ينتفع به في دنياه، ولا في آخرته، ومثل هذا لا يجوز.

        الأدلة:

        دليل القول الأول: (عدم اشتراط القربة ) :

        أن الوصية من باب العطايا لا من باب الصدقات، والهبة تصح بغير قصد القربة.

        ويناقش: بعدم التسليم بأن الوصية عطية محضة ليست من قبيل الصدقة; لما يأتي.

        دليل القول الثاني: (الوصية لا بد من كونها قربة ) :

        1 - أن الله تعالى قد أوجب الوصية بقوله: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين .

        والمأمور به شرعا هو قربة، فإذا لا تصح الوصية لغير قصد القربة.

        فإن قيل: قد نسخ الأمر بها مع نزول المواريث.

        فيقال: إن النسخ هنا غير متفق عليه كما سبق، بل الصحيح أن الأمر بالوصية باق لغير الوارث، إما أمر إيجاب، أو أمر ندب، بحسب الحال.

        وحتى على القول بالنسخ، فإن الاستدلال صحيح; لأن الوصية إذا كانت مأمورا بها في أول الأمر، فهو دليل كونها قربة.

        2 - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماها صدقة في حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه- بقوله: إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في أعمالكم .

        [ ص: 59 ] وقد سمى سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- الوصية صدقة بقوله للنبي -صلى الله عليه وسلم-:

        أفأتصدق بثلثي مالي ؟... . الحديث.

        3 - أن العمل إذا لم يكن قربة لم يكن الموصي مثابا على بذل المال فيه، فيكون قد صرف المال فيما لا ينفعه بعد مماته.

        والإنسان قد يبذل المال لمنفعة دنيوية، فلا يلام على ذلك ما دام في حدود المباح، ولكن ماذا يستفيد الموصي ببذل المال فيما لا قربة فيه؟; لأن الوصية لا تكون إلا بعد الموت، فإذا لا بد أن تكون قربة تنفعه في الآخرة.

        ونوقشت هذه الأدلة من وجهين:

        الوجه الأول: أن كون الوصية قربة أكمل، وكونها في مباح لا محذور منه ; إذ الأصل الحل.

        الوجه الثاني: أن كون الميت لا ينتفع بها غير مسلم، بل الموصى له ينتفع بها، وإذا حصل نفع الموصى له تبع ذلك نفع الموصي.

        سبب الخلاف: تردد الوصية بين الهبة، والوقف.

        الترجيح:

        الأرجح في هذه المسألة أن الوصية تصح فيما ليس قربة; إذ إلحاقها بالهبة أولى من إلحاقها بالوقف - والله أعلم.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية