الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        المطلب الثاني

        شروط الوصية بالحمل

        اشترط العلماء -رحمهم الله- للوصية للحمل شروطا:

        الشرط الأول: أن يكون موجودا حال الوصية; لأنه إذا لم يكن موجودا حال الوصية لم تتعلق الوصية به.

        وهذا قول جمهور أهل العلم.

        وذهب بعض الحنفية كأبي الليث أنه المعتبر وجوده وقت موت الوصي.

        وحجته: أنه تمليك بعد الموت، فلا بد من وجوده إذ ذاك.

        [ ص: 62 ] وذهب آخرون من الحنفية : إلى أن المعتبر وجوده حال الوصية وحال الموت.

        الشرط الثاني: أن ينفصل حيا، فإن انفصل ميتا لم تصح الوصية.

        ونص الشافعية : على أنه إن انفصل بجناية عليه، فتنفذ الوصية في بدله.

        الشرط الثالث: ألا يترتب على الوصية تفريق بين الأم، وولدها.

        اختلف العلماء - رحمهم الله - في حكم الوصية إذا ترتب عليها تفريق بين الأم وولدها على قولين:

        القول الأول: إلحاق الوصية بالبيع في منع التفريق، وعليه فلا تصح الوصية بالحمل منفردا عن أمه.

        وبهذا قال الحنفية ، وهو قول عند الشافعية ، وهو قول شيخ الإسلام.

        القول الثاني: جواز الوصية بالحمل دون أمه.

        وهو مذهب المالكية ، والشافعية والحنابلة ، لكن عند الإمام مالك يجبر الموصى له أن يجمع بينهما.

        الأدلة:

        أدلة الرأي الأول: (208 ) 1 - ما رواه الترمذي من طريق حيي بن عبد الله ، عن أبي [ ص: 63 ] عبد الرحمن الحبلي، عن أبي أيوب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة .

        (209 ) 2 - ما رواه ابن ماجه من طريق إبراهيم بن إسماعيل، عن طليق بن عمران، عن أبي بردة، عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فرق بين الوالدة وولدها، وبين الأخ وبين أخيه .

        (210 ) 3 - ما رواه أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن يزيد بن عبد الرحمن، عن الحكم، عن ميمون بن أبي شبيب، عن علي أنه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، ورد البيع .

        [ ص: 64 ] [ ص: 65 ] [ ص: 66 ] [ ص: 67 ] [ ص: 68 ] (211 ) 4 - ما رواه أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن جابر، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يؤتى بالسبي، فيعطي أهل البيت جميعا ، كراهية أن يفرق بينهم .

        [ ص: 69 ] بل قد جاء ما يمنع التفريق في البهائم:

        (212 ) روى أبو داود من طريق أبي إسحاق الشيباني، عن الحسن بن سعد، عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فانطلق لحاجته ، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: « من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها، ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال: « من حرق هذه » ؟ قلنا: نحن، قال: « إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار » .

        [ ص: 70 ] (213 ) وما رواه أبو داود من طريق محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني رجل من أهل الشام، يقال له: أبو منظور، عن عمه ، قال: حدثني عمي، عن عامر الرام أخي الخضر - قال أبو داود: قال النفيلي: هو الخضر ، ولكن كذا قال - ... فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل عليه كساء، وفي يده شيء قد التف عليه، فقال: يا رسول الله، إني لما رأيتك أقبلت إليك فمررت بغيضة شجر، فسمعت فيها أصوات فراخ طائر، فأخذتهن فوضعتهن في كسائي، فجاءت أمهن فاستدارت على رأسي، فكشفت لها عنهن، فوقعت عليهن معهن فلففتهن بكسائي، فهن أولاء معي، قال: « ضعهن عنك » فوضعتهن، وأبت أمهن إلا لزومهن، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: أتعجبون لرحم أم الأفراخ فراخها؟ » قالوا: نعم، يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، قال: « فوالذي بعثني بالحق، لله أرحم بعباده من أم الأفراخ بفراخها، ارجع بهن حتى تضعهن من حيث أخذتهن وأمهن معهن » فرجع بهن .

        ويمكن الاستدلال على المنع في البهائم أيضا بعموم لفظ: بين والدة وولدها .

        وجه الدلالة: أن الأدلة غالبها عام، فيشمل جميع صور التفريق، ومن ذلك الوصية.

        [ ص: 71 ] أدلة القول الثاني: (عدم الإلحاق ) :

        أن الوصية تكون بعد الموت، فلعل السبب يزول قبل الموت وذلك ببلوغ الصغير.

        ونوقش: بأن هذا أمر محتمل موهوم، فلا يترك الأصل في التحريم من أجله.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - عدم جواز الوصية إذا كان يترتب عليها تفريق بين الأم وولدها; لقوة دليل هذا القول، وضعف دليل القول الثاني بمناقشته.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية