الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              233 (باب منه) وذكره النووي في الباب المتقدم

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 207 - 208 ج2 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن يحيى ، قال سألت أبا سلمة أي القرآن أنزل قبل؟ قال: يا أيها المدثر فقلت: أو اقرأ؟ فقال: سألت جابر بن [ ص: 291 ] عبد الله: أي القرآن أنزل قبل؟ قال يا أيها المدثر فقلت: أو اقرأ؟ قال جابر: أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جاورت بحراء شهرا، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أر أحدا، ثم نوديت فنظرت فلم أر أحدا، ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء، يعني جبريل عليه السلام، فأخذتني رجفة شديدة، فأتيت خديجة فقلت: دثروني؛ فدثروني، فصبوا علي ماء فأنزل الله عز وجل يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن يحيى قال: سألت "أبا سلمة" أي القرآن أنزل قبل؟ قال: يا أيها المدثر . فقلت: أو "اقرأ"؟ قال: سألت جابر بن عبد الله: أي القرآن أنزل قبل؟ قال: يا أيها المدثر فقلت: أو "اقرأ". قال جابر: أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال "جاورت بحراء شهرا. فلما قضيت جواري، نزلت فاستبطنت بطن الوادي) أي: صرت في باطنه.

                                                                                                                              "فنوديت، فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أر أحدا، ثم نوديت "فنظرت" فلم أر أحدا. ثم نوديت، فرفعت رأسي [ ص: 292 ] فإذا هو على العرش في الهواء" أي: على كرسي بين السماء والأرض.

                                                                                                                              قال أهل اللغة: "العرش" هو السرير. وقيل: "سرير الملك"، قال تعالى: ولها عرش عظيم والمراد "بالعرش" هنا الكرسي.

                                                                                                                              "والهواء" هنا ممدود يكتب بالألف؛ وهو "الجو" بين السماء والأرض كما في الرواية الأخرى "والهواء" الخالي. قال تعالى: وأفئدتهم هواء

                                                                                                                              (يعني "جبريل عليه السلام"، فأخذتني رجفة شديدة) ، هكذا في الروايات المشهورة "رجفة" بالراء. وروي "وجفة" بالواو. قال النووي: وهما صحيحان متقاربان؛ ومعناهما "الاضطراب". قال تعالى:

                                                                                                                              قلوب يومئذ واجفة . وقال سبحانه: يوم ترجف الراجفة يوم ترجف الأرض والجبال فأتيت خديجة، فقلت: دثروني. فصبوا علي ماء".

                                                                                                                              "فيه" أنه ينبغي أن يصب على الفزع الماء، ليسكن فزعه. والله أعلم.

                                                                                                                              (فأنزل الله "عز وجل" يا أيها المدثر قال: أهل العلم.

                                                                                                                              [ ص: 293 ] "المدثر، والمزمل" والمتلفف، والمشتمل، بمعنى واحد. ثم الجمهور على أن معناه "المدثر بثيابه".

                                                                                                                              وعن عكرمة: "المدثر بالنبوة وأعبائها".

                                                                                                                              " قم فأنذر " أي: حذر العذاب من لم يؤمن، " وربك فكبر " أي: عظمه، ونوهه عما لا يليق به.

                                                                                                                              " وثيابك فطهر ". أي: طهرها من النجاسة. وقيل: قصرها.

                                                                                                                              وقيل: المراد بالثياب "النفس" أي طهرها من الذنب، وسائر النقائص.

                                                                                                                              "والرجز"، بكسر الراء، في قراءة الأكثرين. وقرأ حفص بضمها، وفسره في الكتاب "بالأوثان"، وكذلك قاله جماعات من المفسرين.

                                                                                                                              "والرجز" في اللغة "العذاب"، وسمي الشرك وعبادة الأوثان (رجزا) لأنه سبب العذاب.

                                                                                                                              وقيل: المراد "بالرجز" في الآية "الشرك"، وقيل: "الذنب"، وقيل: "الظلم". والله أعلم.

                                                                                                                              قال النووي: قوله "أول ما أنزل: يا أيها المدثر " ضعيف، بل باطل.

                                                                                                                              والصواب: أن أول ما نزل على الإطلاق "اقرأ" كما صرح به في حديث عائشة المتقدم.

                                                                                                                              وأما يا أيها المدثر ، فكان نزولها بعد فترة الوحي؛ كما صرح به في رواية الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر.

                                                                                                                              والدلالة صريحة في مواضع منها؛ قوله: وهو يحدث عن فترة الوحي [ ص: 294 ] إلى أن قال: (فأنزل الله يا أيها المدثر . "ومنها" قوله: "فإذا الملك الذي جاءني بحراء". ثم قال: "فأنزل الله يا أيها المدثر " "ومنها" قوله: ثم تتابع الوحي؛ يعني: بعد فترته.

                                                                                                                              فالصواب: أن أول ما نزل اقرأ وأن أول ما نزل بعد فترة الوحي يا أيها المدثر .

                                                                                                                              وأما قول من قال من المفسرين: أول ما نزل "الفاتحة" فبطلانه أظهر من أن يذكر. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية