الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              758 [ ص: 399 ] (باب على كم يسجد )

                                                                                                                              وقال النووي : (باب أعضاء السجود، والنهي عن كف الشعر، والثوب، وعقص الرأس، في الصلاة ) .

                                                                                                                              (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 207 ج 4 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن طاوس، ، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة (وأشار بيده على أنفه ) واليدين والرجلين وأطراف القدمين. ولا نكفت الثياب ولا الشعر". ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن ابن عباس ) رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم" ) .

                                                                                                                              فيه: أن أعضاء السجود سبعة، وأنه ينبغي للساجد، أن يسجد عليها كلها.

                                                                                                                              وفيه: تسمية كل عضو (عظما ) . وإن كان فيه عظام كثيرة.

                                                                                                                              "الجبهة: (وأشار بيده على أنفه ) ".

                                                                                                                              [ ص: 400 ] فيه: أن يسجد على الجبهة، والأنف جميعا. فأما الجبهة فيجب وضعها مكشوفة، على الأرض، ويكفي بعضها.

                                                                                                                              والأنف مستحب، فلو تركه جاز، ولو اقتصر عليه وترك الجبهة لم يجز.

                                                                                                                              قال النووي : هذا مذهب الشافعي، ومالك، والأكثرين.

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة رضي الله عنه، وابن القاسم من أصحاب مالك:

                                                                                                                              له أن يقتصر على أيهما شاء.

                                                                                                                              وقال أحمد، وابن حبيب المالكي: يجب أن يسجد عليهما جميعا لظاهر الحديث.

                                                                                                                              قال الأكثرون: بل ظاهر الحديث، أنهما في حكم عضو واحد. لأنه قال في الحديث: (سبعة ) فإن جعلا عضوين، صارت ثمانية. وذكر الأنف استحبابا. انتهى.

                                                                                                                              وأقول: قد ثبت في حديث المسيء: أنه صلى الله عليه وسلم، أمره بأن يمكن جبهته من الأرض.

                                                                                                                              وأخرج الترمذي من حديث أبي حميد الساعدي: "أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته الأرض". وقال حسن صحيح.

                                                                                                                              وأخرج النسائي من حديث ابن عباس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

                                                                                                                              [ ص: 401 ] "أمرت أن أسجد على سبعة"
                                                                                                                              ) إلى قوله: "الجبهة والأنف" الحديث.

                                                                                                                              وأخرجه مسلم بلفظ (على سبع ) وفيه الجبهة، والأنف. الحديث.

                                                                                                                              وفي لفظ في الصحيحين من حديث ابن عباس: اقتصر على ذكر الجبهة، دون الأنف.

                                                                                                                              وقد ثبت في ألفاظ الأحاديث في الصحيحين وغيرهما بلفظ:

                                                                                                                              (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم ) .

                                                                                                                              (وأمرنا ) (وأمر النبي صلى الله عليه وسلم ) .

                                                                                                                              وبهذا البيان، يتضح لك أن رواية ذكر الجبهة، مع الإشارة إلى الأنف، لبيان أن السجود على الجبهة، لا يكون كاملا إلا بوضع الأنف معها.

                                                                                                                              ومع هذا، فقد أغنانا عن ذلك ذكرهما معا في الأحاديث. كما أشرنا إليه.

                                                                                                                              وقد اجتمع في السجود على الجبهة والأنف: البيان للسجود المأمور به في القرآن العظيم، المعلوم وجوبه بالضرورة الشرعية، بالقول، والفعل فكان ذلك كافيا في فرض السجود على تلك الأعضاء من غير انضمام أمر الأمة بذلك.

                                                                                                                              فكيف وقد ثبت ما ذكرناه لك.

                                                                                                                              "واليدين والرجلين" وفي رواية: "الركبتين" بدل الرجلين "وأطراف القدمين".

                                                                                                                              [ ص: 402 ] وفي هذا قولان: أحدهما: يستحب السجود عليهما، استحبابا متأكدا. والثاني: يجب وهو الأصح، وهو الذي رجحه الشافعي. فلو أخل بعضو منها، لم تصح صلاته. قال النووي : وإذا أوجبناه، لم يجب. كشف القدمين، والركبتين. وفي الكفين قولان: وجوب الكشف كالجبهة. وأصحهما: لا يجب.

                                                                                                                              قال في "السيل الجرار": الأمر بالسجود على هذه الأعضاء، لا بد أن يكون على الأرض، أو على ما هو عليها، من حصير ونحوه.

                                                                                                                              فلا يجعل المصلي بين هذه الأعضاء، وبين ذلك حائلا، لا من حي، ولا من غيره. فإن فعل فقد خالف ما أمر به، مع كون ذلك بيانا لمجمل القرآن.

                                                                                                                              وأما الحكم ببطلان الصلاة، فربما يقال: إن الذي سجد على هذه الأعضاء مع حائل؛ قد يسجد عليها؛ وفعل ما أمر به. فإنه يصدق عليه لغة وشرعا، وعرفا: أنه قد سجد عليها.

                                                                                                                              فكون الحائل مانعا من صحة السجود للوجود في الخارج، يحتاج [ ص: 403 ] إلى دليل. فإن جاء به صافيا عن شرب الكدر، صالحا للحجية، فبها ونعمت، وإلا فلا نسلم أن ذلك السجود الموجود في الخارج، كلا سجود. مع كونه على الأعضاء التي وقع الأمر بالسجود عليها.

                                                                                                                              ومما يؤيد هذا، ما في الصحيحين وغيرهما، من حديث أنس رضي الله عنه:

                                                                                                                              (قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر. فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه ) . انتهى.

                                                                                                                              ولا نكفت الثياب، ولا الشعر" بفتح النون، وكسر الفاء.

                                                                                                                              أي: لا نضمها ولا نجمعها.

                                                                                                                              "والكفت": الجمع، والضم. ومنه قوله تعالى:

                                                                                                                              ألم نجعل الأرض كفاتا .

                                                                                                                              أي: تجمع الناس في حياتهم وموتهم. وهو بمعنى (الكف ) في الرواية الأخرى. وكلاهما بمعنى.

                                                                                                                              والحكمة في النهي عنه: أن الشعر يسجد معه، ولهذا مثله في حديث ابن عباس عند مسلم : "بالذي يصلي وهو مكتوف"..

                                                                                                                              فلو صلى كذلك أساء. وصحت صلاته. وهو كراهة تنزيه. قال النووي : باتفاق العلماء.

                                                                                                                              [ ص: 404 ]



                                                                                                                              الخدمات العلمية