معنى كونه تعالى يحول بين المرء و قلبه
وقال تعالى : واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه [الأنفال : 24] ، قال : هذا من باب ابن جرير ، [ ص: 144 ] وأنه يحول بينهم وبين الأفئدة إذا شاء ، حتى لا يدرك الإنسان شيئا إلا بمشيئته - عز وجل - . الإخبار من الله - عز وجل -; بأنه أملك لقلوب عباده منهم
قال : يحول بين المؤمن وبين الكفر ومعاصي الله ، وبين الكافر وبين الإيمان وطاعة الله . ابن عباس
وقال : يحول بين الإنسان وقلبه ، فلا يستطيع أن يؤمن أو يكفر إلا بإذنه وإرادته . السدي
قيل : هذا القول هو الذي دلت عليه البراهين العقلية; لأن أحوال القلوب اعتقادات ، ودواع وإرادات ، وتلك الإرادات لابد لها من فاعل مختار ، وهو الله تعالى ، فثبت بذلك أن المتصرف في القلب كيف شاء هو الله .
فالمعنى : أنه يحول بين المرء وخواطر قلبه ، أو إدراك قلبه ، بمعنى : أنه يمنعه من حصول مراده ، أو يمنعه من الإدراك والفهم ، كما منع المقلدين عن در الكتاب ، وفهم الحديث المستطاب .
قال مجاهد : يحول حتى يتركه لا يعقل ، فهم لا يكادون يفقهون حديثا ، وبأي حديث بعده يؤمنون! وقال تعالى : ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك [النساء : 79] .
وقد ورد في الكتاب العزيز مما يفيد مفاد هذه الآية كثير; كقوله تعالى : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير [الشورى : 30] ، وغيرها .
وقد يظن أن هذه الآية تنافي قوله سبحانه : قل كل من عند الله [النساء : 78] ، وليس كذلك ، فالجمع ممكن; بأن إضافة الأشياء كلها إلى الله حقيقية ، وإلى فعل العبد مجازية .
وقال تعالى : وخلق كل شيء [الفرقان : 2] من الموجودات مما تطلق عليه صفة المخلوق فقدره تقديرا قدر كل شيء مما خلق بحكمته ، على ما أراد ، [ ص: 145 ] وهيأه لما يصلح له ، وسواه تسوية لا اعوجاج فيه ، ولا زيادة على ما تقتضيه حكمته ومصلحته ، ولا نقص على ذلك في بابي الدنيا والدين .
قال في «فتح البيان» : وهذا أوضح دليل على المعتزلة في . انتهى . خلق أفعال العباد
قال تعالى : وكل شيء فعلوه في الزبر [القمر : 52]; أي : في اللوح المحفوظ ، أو دواوين الحفظة البررة ، وكل صغير وكبير مستطر [القمر : 53]; أي : كل شيء من أعمال الخلق وأقوالهم وأفعالهم ، وما هو كائن منهم مستور في اللوح المحفوظ ، صغيره وكبيره ، جليله وحقيره .
وقال تعالى : ما أصاب من مصيبة في الأرض [الحديد : 22]; من زلزلة ، وقحط مطر ، وجدب ، وضعف نبات ، وقلته ، ونقص ثمار ، وعاهة زرع .
وقيل : أراد بها جميع الحوادث من خير وشر ، ولا في أنفسكم من الأوصاب والأسقام . قاله . قتادة
وقال مقاتل : إقامة الحدود . وقال : ضيق المعاش ، وقيل : موت الأولاد . وقيل غير ذلك . واللفظ أوسع مما هنالك ابن جريج إلا في كتاب مكتوب في اللوح المحفوظ من قبل أن نبرأها ; أي : نخلقها .
قال : هو شيء قد فرغ منه قبل أن تبرأ الأنفس ، وهذا يدل دلالة واضحة على أن القدر خيره وشره ، وحلوه ومره ، وقليله وكثيره ، من الله ، لا فعل للعبد فيه ، ولا عمل ، بل العبد ، وعمله ، وفعله ، وقوله ، وكل شيء يصدر منه ، فالله خالقه جميعه ، لا رب سواه ، ولا فاطر إلا إياه . ابن عباس
وقال تعالى : الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى [الأعلى : 2-3] الأولى عدم تعيين فرد أو أفراد مما يصدق عليه «قدر» و «هدى» إلا بدليل يدل عليه .
ومع عدم الدليل يحمل ما يصدق عليه معنى الفعلين ، إما على البدل ، أو على الشمول .
[ ص: 146 ] وعلى كل حال ، الآية دليل على أن الخالق لكل شيء ، والمقدر له ، والهادي إياه ، هو سبحانه ، لا فعل في ذلك لأحد من مخلوقاته ، وهو المراد .
عن - رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : علي
1- «يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله» ; أي : يقر بالتوحيد والرسالة ، وهو أصل الإيمان وعموده الذي لا يستقيم لأحد الإيمان إلا بالاعتراف به لسانا ، وبالتصديق جنانا «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع خصال : ; أي : إلى كافة الخلق . «بعثني بالحق»
2- ; أي : بفناء الدنيا وهلاكها ، بجميع أجزائها ، أو المراد : أن يعتقد أن الموت يأتي بحكم الله ، لا بالطبيعة وفساد المزاج ، أو المراد : العمل على مقتضى الإيمان بالموت . «ويؤمن بالموت»
3- ; أي : إحياء الله الموتى بعد الموت ، وحشره إياهم من القبور وغيرها . «والبعث بعد الموت»
4- ; أي : بتقدير الله الذي قدر الجواهر والأعراض ، والذوات والصفات وجميع الكائنات وعينها . رواه «ويؤمن بالقدر» ، الترمذي . وابن ماجه