سخرية المقلدين بالمحدثين ونبذهم بالألقاب القبيحة
وقد بلغ عناد المقلدين مع المحدثين إلى غاية [أنهم ] سموهم : لا مذهب ، وحشوية ، ومجسمة .
وهذه الألقاب منهم لهم بمنزلة ما لقب به المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من الشاعر ، والمجنون ، والمذمم ، والكاهن ، والساحر ، ونحوها ، فما أشبه الليلة بالبارحة! [ ص: 160 ] وهم - بحمد الله تعالى - لهم المذهب الذي كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأصحابه ، وعترته .
وليس لهم تلك المذاهب مشارب لهم . معدلون على لسان نبي الأمة ورسول الرحمة ، دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصرة ، وهم حملة علومه ، ونقلة ملته ، ووعاة سننه ، ووعاء دينه . وغيرهم المبطلون والغالون والجاهلون .
وهم ينفون عن دين الحق انتحالهم ، وتحريفهم ، وتأويلهم - ولله الحمد - . وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون [الشعراء : 227] . رواه في «المدخل» ، البيهقي ورزين في «كتابه عن ابن الديلمي ، وهو من التابعين - رضي الله عنه - .
قيل : هو أبو عبد الله ، وقيل : أبو عبد الرحمن . وقيل : الضحاك فيروز الديلمي . والله أعلم .
قال : أتيت ، فقلت له : قد وقع في نفسي شيء من القدر . أي حزازة واضطراب من الشبهة والشك في أمره; لأن الأمور كلها إن كانت بالقضاء والقدر ، فما هذا الأمر والنهي ، والثواب والعقاب ؟ أبي بن كعب
وأشار بقوله : «في نفسي» [إلى] أن هذا من قبيل الوسوسة ، وحكاية النفس ، وحديث الخاطر ، فحدثني; أي : بحديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، أو قل لي كلاما من قبل قلبك ، لعل الله أن يذهبه من قلبي ، ويدفع عني شره ، ويزيل هذا الشك من خاطري .
فقال : لو أن الله - عز وجل - عذب أهل سماواته وأهل أرضه ، عذبهم وهو غير ظالم لهم» ; أي : لأنه - جل وعلا - مالك الملك على الإطلاق ، وكلهم عبيده ، وكلها ملكه ، وتصرف المالك في ملكه ومماليكه لا يكون ظلما ، ولو رحمهم ، كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم .
ثم أشار إلى أن عموما ، وفي أحوال نفس [ ص: 161 ] الآدمي خصوصا ، واجب من الواجبات ، ولا يساويه عمل من الأعمال الصالحات ، وإن كانت أشد عظمة ، وخارجة من قدرة البشر ، وهو شرط لدخول الجنة . الإيمان بالقدر في جميع الكائنات
فقال : ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ، ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر . أحد : جبل بقرب المدينة المنورة ، وهو تمثيل على سبيل الفرض ، لا تحديد ، إذ لو فرض انفاق ما في السماوات والأرض ، لكان كذلك : وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك; أي : يجاوزك ، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، فلا تقل لشيء أصابك : إنه أصاب بسعيي وجهدي ، وما لم يصبك ، فلا تقل : لو سعيت وجهدت لأصابك ، بل اعلم أن الإصابة والخطأ كليهما بقضاء الله وقدره - تعالى شأنه - ، ولو مت على غير هذا الحال والاعتقاد والإيمان بالقدر ، لدخلت النار ، وإن كنت عاملا صالحا .
قال : ثم أتيت ، فقال مثل ذلك . قال : ثم أتيت عبد الله بن مسعود ، صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان ، فقال مثل ذلك . ثم أتيت ، فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل ذلك . رواه زيد بن ثابت ، أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، وصححه . والحاكم
قال في الترجمة : ومن هنا علم أن هذا الحديث هو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حدث به أبي ، ، وابن مسعود وحذيفة . ولكن لم يرفعوه إليه صلى الله عليه وسلم ، ولم يسندوه . ورفعه وأسنده . زيد بن ثابت
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : ، وربه ، ومليكه ، لا رب غيره ، ولا خالق سواه . ما شاء كان ، وما لم يشأ [لم] يكن ، وهو على كل شيء قدير ، وبكل شيء عليم . مذهب أهل السنة والجماعة : أن الله سبحانه خالق كل شيء
[ ص: 162 ] والعبد مأمور بطاعة الله وطاعة رسوله ، منهي عن معصية الله ، ومعصية رسوله .
فإن أطاع ، كان ذلك نعمة من الله أنعم بها عليه ، وكان له الأجر والثواب بفضل الله ورحمته .
وإن عصى ، كان مستحقا للذم والعقاب ، وكان الله عليه الحجة البالغة ، ولا حجة لأحد على الله ، وكل ذلك كائن بقضاء الله وقدره ومشيئته وقدرته .
لكنه يحب الطاعة ، ويأمر بها ، ويثيب أهلها ، ويكرمهم ، ويبغض المعصية ، وينهى عنها ، ويعاقب أهلها ويهينهم .
وما يصيب العبد من النعم ، فالله أنعم بها عليه ، وما يصيبه من الشر ، فبذنوبه ومعاصيه ، كما قال تعالى : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير .
وقال تعالى : ما أصابك من حسنة ; أي خصب ونصر وهدى فمن الله ; أي : فالله أنعم به عليك ، وما أصابك من سيئة ; أي : من جدب وذل وشر فمن نفسك ; أي فبذنوبك وخطاياك ، وكل الأشياء كائنة بمشيئة الله وقدرته وخلقه . ولا بد أن يؤمن العبد بقضاء الله وقدره ، وأن يؤمن بشرع الله ، وأمره ونهيه .