[ ص: 402 ] مناقب أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-
عن -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « أبي سعيد الخدري » هكذا - بالرفع- في «صحيح مسلم». وعند إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر - بالنصب - وهو الظاهر. والحديث متفق عليه. « البخاري » الظاهر أنه من «الخلة» -بضم الخاء- بمعنى: الصداقة والمحبة المتخللة في باطن قلب المحب، الداعية إلى الاطلاع المحبوب على سره. أي: لو جاز لي أن أتخذ صديقا من الخلق، يتخلل محبته في باطن قلبي، يكون مطلعا على سري، لاتخذت أبا بكر خليلا، لكن ليس لي محبوب بهذه الصفة إلا الله. ويجوز أن يكون من «الخلة» -بالفتح- بمعنى: الحاجة، أي: لو اتخذت صديقا أرجع إليه في حاجاتي، وأعتمد عليه في مهماتي، لاتخذت أبا بكر، ولكن اعتمادي في جميع أموري على الله. ولو كنت متخذا خليلا، لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام ومودته
قال في «اللمعات»: وهذا المعنى أنسب، انتهى، وزاد في «الترجمة»: وأقرب بسياق الحديث. ولكن حكم القوم بأن المعنى الأول أوجه وأولى. انتهى.
وأقول: لا مانع من حمل الحديث على كلا المعنيين، وفيه بيان والتنصيص على كونه أمن الناس، أبي بكر، وكونه أخا في الإسلام، وودودا فيه فضيلة -بالفتح- وهي كوة تؤدي الضوء إلى البيت، وقيل: باب صغير ينصب بين بيتين أو دارين، فيدخل من أحدهما إلى الآخر. وهذا الكلام كان في مرضه الذي توفي فيه. «لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر
قال في «الترجمة»: البيوت الملاصقة بالمسجد الشريف كانت فيها خوخات يدخلون منها في المسجد، أو ينظرون هل جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد أم لا، [ ص: 403 ] فأمرهم بسدها إلا هذه الخوخة؛ تكريما وتفضيلا له على غيره، قيل: فيه تعريض بخلافته -رضي الله عنه- وسد لمقالة الآخرين في هذا الباب. ولما تكلم الناس في هذا، قال: « لأبي بكر، لم أفعله من قبل نفسي، ما فعلته إلا بأمر الله »، وفي رواية: « »، وفيه إشارة إلى أن لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا كما في الكتاب اللائق بحال العبد ألا يتخذ أحدا خليلا إلا الله، والذين آمنوا أشد حبا لله [البقرة: 165]. متفق عليه».
وفي حديث ما معناه: سعد بن أبي وقاص علي -كرم الله وجهه- رواه أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسد الأبواب التي كانت إلى المسجد إلا باب أحمد، وإسناده قوي. وليس بين هذا وبين حديث الباب تعارض بحمد الله تعالى، فإن استثناء علي كان عند بناء المسجد الشريف، وكان هذا الحديث في آخر خطبة خطبها عند وفاته صلى الله عليه وسلم. والنسائي،
وفي حديث آخر عن يرفعه: « ابن مسعود » رواه لو كنت متخذا خليلا، لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكنه أخي وصاحبي . وزاد مسلم في روايته: « أحمد ». قال في «الترجمة»: فيه أن الصادق في الصحبة يترقى إلى مرتبة المحبوبية أخي في الدين، وصاحبي في الغار، وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا يحبهم ويحبونه ، وإنما نشأ الجذب والمحبة أولا من جانبه تعالى، وأثره الانجذاب من هذا الجانب. وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جامعا بين الحب والخلة، وكانت خلته أتم وأكمل من خلة إبراهيم -عليه السلام- قاله . انتهى. الغزالي