مناقب -كرم الله وجهه- علي
عن رضي الله عنه قال: سعد بن أبي وقاص «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي لعلي: متفق عليه. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال في «اللمعات»: قاله -صلى الله عليه وسلم- حين استخلفه على المدينة في غزوة « تبوك »، أتخلفني في النساء والصبيان؟ كأنه استنقص تركه وراءه، فقال: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ علي: يعني: حين استخلفه عند توجهه إلى الطور إذ قال له: فقال اخلفني في قومي وأصلح [الأعراف: 142]. وهذا الحديث مما تعلقت به الشيعة في أن الخلافة كانت حقا وأنه وصى بها إليه. لعلي،
[ ص: 420 ] وقال أصحابنا: لا حجة لهم فيه، بل ظاهر الحديث أن خليفة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مدة غيبته عليا بتبوك، كما كان هارون خليفة عن موسى في قومه مدة غيبته عنهم. ولم يكن هارون خليفة بعد موسى؛ لأنه توفي قبل وفاة موسى بأربعين سنة. وقد استخلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذه المدة على إمامة الناس، فلو كانت الخلافة مطلقا، لكان استخلفه على الإمامة أيضا. انتهى. ابن أم مكتوم
زاد في «الترجمة»: أن الآمدي من علماء الأصول، تكلم في صحة هذا الحديث، ولكنه أخطأ؛ لأن أئمة الحديث متفقون على صحته، وقولهم عليه الاعتماد.
وقال بعضهم: إن جملة «إلا أنه لا نبي بعدي» ليست في بعض الطرق، فإن كانت، فهي لا تدل على حصر الخلافة فيه -رضي الله عنه- وعلى وجودها بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بلا واسطة. انتهى.
وأقول: الحديث مع الجملة المذكورة ثابت في «الصحيحين» اللذين هما أصح الكتب بعد كتاب الله. ثم بعد اتفاقهما عليه، وهو أعلى أقسام الحديث، لا معنى لإنكاره. ولعل الآمدي ذهب خياله إلى تعلق الروافض به، ولم يجد لهم جوابا شافيا، فنحا إلى عدم صحته، ومع أن هذا الحديث له دلالة على علي، ولا يدل على مراد فضيلة الشيعة الشنيعة أصلا. ولو دل عليه، لقلنا به بلا ريب؛ لأن ترك العمل بالحديث لا يجوز؛ لكونه موافقا لمن ليس من أهل مذهبنا، بل إن صح الحديث في باب من أبواب الدين، وجب العمل به، وإن لم يعمل أحد من الأمة، ولم يذهب إليه أحد من الأئمة.
ولم يرد صلى الله عليه وسلم تشبيه علي بهارون من كل وجه؛ لأن هارون كان أكبر من موسى [ ص: 421 ] -عليهما السلام- في السن، وأقدم عليه في الموت، إنما أراد خلافته في الأهل والعيال. فإن الخلافة من النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن كان في الظاهر في شيء حقير، أو قليل - خير من خيور كثيرة، وفضيلة لا تساويها فضيلة. وقد أجاب على هذا الحديث للشيعة صاحب «كشف الالتباس»، فراجعه.
وعن قال: زر بن حبيش، -رضي الله عنه-: والذي فلق الحبة! -أي: شقها، وأخرج النبات منها- وبرأ النسمة -أي: خلق كل ذات روح- إنه لعهد النبي الأمي -صلى الله عليه وسلم- إلي أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق علي . رواه قال . مسلم
قال في «الترجمة»: علامة الإيمان، وعداوته أمارة النفاق، علي أعاذنا الله. قلت: وأكثر الناس حبا له وكرامة له، أهل السنة عموما. وأعظمهم انتسابا إليه وتعلقا به فمحبة الصوفية الصافية الكرام البررة، فإن سلاسلهم جميعا -إلا ما شاء الله- تنتهي إليه -رضي الله عنه-.
بل في الدنيا أيضا، وصاحبه في الدرك الأسفل من النار. والشاهد العدل على محبته من يدعي الحب أن يسلك سبيله، ويتبع أثره، ويتشكل بشكله -عليه السلام- وهذا في أهل الحديث والسنة كثير. والنفاق أسوأ درجة في الدين،