منقبة الأنصار -رضي الله عنهم-
عن -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: البراء بن عازب متفق عليه. فيه فضيلة للأنصار عظمى، وقد ورد مثله في حق «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم، أحبه الله، ومن أبغضهم، أبغضه الله -عليه السلام- وهو من المهاجرين. علي
وفي حديث مرفوعا: أنس متفق عليه. «آية الإيمان: حب الأنصار، وآية النفاق: بغض الأنصار
وفي حديث طويل عن قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي: للأنصار -: أنس، . متفق عليه. «إني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر، أتألفهم، أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وترجعون إلى رحالكم برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟»، قالوا: بلى يا رسول الله، قد رضينا
ولا شك أن الرجعة بخاتم الرسل وسيد الكل، أفضل من جميع الفضائل، والرضا بها فضيلة أخرى خص الله تعالى بها جماعة الأنصار.
وعن -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « أبي هريرة »؛ أي: لولا فضيلة الهجرة وشرافة نسبتها، لانتسبت إلى الأنصار، أو ديارهم، وانتقلت عن اسم المهاجرين إلى اسم الأنصار. وفيه: بيان إكرامهم، وفضل نسبة النصرة، ومع ذلك فيه إشارة إلى لولا الهجرة، لكنت امرأ من الأنصار لأنهم هجروا الأوطان، وتركوا الأموال والأولاد والأهل والمسكن؛ نصرة لله ورسوله. والنصرة والإيثار والإيواء فضيلة كاملة، لكنهم ساكنون في أوطانهم وأحيائهم، فالفضيلة هي بعد الهجرة للنصرة. أفضلية الهجرة وجلال رتبة أهلها؛
وقيل: المراد: إني لا أمتاز عنهم إلا بالهجرة، ولولا الهجرة، لكنت واحدا منهم مساويا لهم. وفيه تواضع لله، ورفع لمنزلتهم. [ ص: 449 ] ولو سلك الناس واديا، وسلكت الأنصار واديا وشعبا، لسلكت وادي الأنصار وشعبها».
قال في «الترجمة»: يعني: إن اختلف الناس في الآراء والمذاهب، لاخترت رأيهم ومذهبهم. فالمقصود: حسن موافقتهم ومرافقتهم لمشاهدة حسن وفائهم وجوارهم، لا اتباعهم واقتفاؤهم؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- متبوع مطلق، والكل تابعوه. انتهى.
الشعار - بالكسر: الثوب المتصل الملتصق بالجسد والشعر، شبههم به؛ لكمال الاتصال والقرب. والدثار -بالكسر-: الثوب الخارج الذي يلبسونه على فوق، كالرداء ونحوه الأنصار شعار، والناس دثار - بفتحتين، وبضم الهمزة وسكون المثلثة، وقد يفتح: اسم من الاستئثار بمعنى: الاستبداد والاختيار. والمعنى: يؤثر الناس عليكم في الإمارة وغيرها، مع أنكم أفضل منهم. إنكم سترون بعدي أثرة
قال في «الترجمة»: وقد وقع كما أخبر، سيما في زمن -رضي الله عنه- وبعض الأعصار الأخرى، حين غلب عثمان بنو أمية، فيه بشارة لهم بدخول الجنة جزاء لصبرهم. فاصبروا حتى تلقوني على الحوض
قال في «الترجمة»: في زمن إمارته، فشكوا عن بعض المهاجرين، فلم يزل شكواه، ولم يعالجه. فقال الأنصاري: صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إنهم يرون بعده أثرة». فقال « معاوية »: فبم أمركم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: بالصبر، فقال: اصبروا؛ فإنه أمركم بهذا معاوية . رواه جاء بعض الأنصار عند . البخاري
قلت: إن صحت هذه الحكاية، ففيه شائبة سوء أدب من -رحمه الله تعالى- في حضرته -صلى الله عليه وسلم-، وجراءة قبيحة، بل الذي كان يجب عليه أن يزيل [ ص: 450 ] شكواه، ويعدل في أمره وفحواه. والله أعلم. معاوية
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أي: للأنصار-: « »؛ أي: إلى ثوابه سبحانه، وإلى دياركم، « كلا إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم »؛ أي: لا أفارقكم حيا وميتا، بل أحيا وأموت معكم. المحيا محياكم، والممات مماتكم
فيه وأي فضل! بكون حياته ومماته -صلى الله عليه وسلم- معهم، ولا أفضل من ذلك. فضل الأنصار
قالوا: والله! ما قلنا إلا ضنا بالله ورسوله.
«الضن»، و «الضنة» - بالكسر-: البخل؛ من ضن يضن -بالكسر والفتح- قال: « » رواه فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم والحديث بتمامه مذكور في «المشكاة»، فراجعه. مسلم،
وعن -رضي الله عنه-: أنس ؛ يعني: الأنصار. متفق عليه. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى صبيانا ونساء مقبلين من عرس، فقام النبي-صلى الله عليه وسلم- فقال: اللهم أنتم من أحب الناس إلي، اللهم أنتم من أحب الناس إلي
العرس -بضم العين- طعام الوليمة، وفي «القاموس»: الإقامة في الفرح. والمعنى: اللهم أنت تعلم صدقي فيما أقول في حق الأنصار.
وعنه -رضي الله عنه- قال: مر أبو بكر بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون، فقالا: ما يبكيكم؟ فقالوا: ذكرنا مجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- منا، فدخل أحدهما -روي أنه والعباس - على النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد عصب على رأسه حاشية برد، فصعد المنبر، ولم يصعد بعد ذلك اليوم، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال: العباس الكرش -بفتح الكاف وكسر الراء- لكل مجتر بمنزلة المعدة للإنسان، والعيبة -بفتح العين وسكون الياء-: ما يجعل فيه الثياب. [ ص: 451 ] وفي «القاموس»: زنبيل من أديم، ومن الرجل: موضع سره ومعتمده. أوصيكم الأنصار؛ فإنهم كرشي وعيبتي
رواه وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم . البخاري
وفي حديث آخر عن قال: ابن عباس، رواه خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي مات فيه، حتى جلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد: فإن الناس يكثرون، ويقل الأنصار حتى يكونوا في الناس بمنزلة الطعام، فمن ولي منكم شيئا يضر فيه قوما وينفع فيه آخرين، فليقبل من محسنهم، وليتجاوز عن مسيئهم . البخاري
قال في «المرقاة»: الأنصار هم الذين آووا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نصروه في حال الضعف والعسر، وهذا أمر قد انقضى زمانه، لا يلحقهم اللاحق، فكلما مضى منهم واحد، مضى من غير بدل. انتهى.
وأقول: لا شك أن هذا الأمر ورد في حق أولئك الماضين، ولكن فمن رعى هذا الأمر النبوي في أبنائهم، فقد أحسن. فضائل الآباء تسري في الأبناء،
والمراد بالتجاوز عن مسيئهم: التجاوز عنهم في زلاتهم الصغائر، دون الإغماض عن الكبائر، كما ورد: « ». وهكذا ينبغي أن يراعى فضائل المهاجرين في أخلافهم، مهما أمكن، وكذلك لا ينسى حقوق أهل البيت النبوي وعترته، وتعظيمهم، كما ورد. فالأصل يسري في الفرع، وإن كان قليلا في كثير. والله أعلم. أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم
وعن -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « زيد بن أرقم » رواه اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار . مسلم
قال في «الترجمة»: ظاهر الحديث تخصيص المغفرة بالمرتبتين، وإن حمل على آخر مراتب الأبناء الباقي منهم، لم يكن بعيدا، بل إن حمل الأبناء على معنى الأولاد لا يكون مستبعدا. انتهى.
[ ص: 452 ] قلت: هذا الاحتمال يصح، والأول أولى.
وفي حديث أبي أسيد، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « بنو النجار، ثم بنو عبد الأشهل، ثم بنو الحارث بن الخزرج، ثم بنو ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير » متفق عليه. خير دور الأنصار
والخير الأول للتفضيل، والآخر بمعنى أصل الخيرية، وفيه تعميم بعد التخصيص.