بيان شبهات عباد القبور والرد عليها
قال في «التطهير»: فإن قال؛ أي: عابد القبور: إن ما نحرت ذكرت اسم الله عليه. فقل: إن كان النحر لله، فلأي شيء قربت ما تنحره في باب مشهد من تفضله وتعتقد فيه؟! هل أردت بذلك تعظيمه أم لا؟ فإن قال: نعم، فقل: هذا
nindex.php?page=treesubj&link=28682النحر لغير الله، أشركت معه غيره، وإن لم ترد تعظيمه، فهل أردت توسيخ باب المشهد، وتنجيس الداخلين إليه؟ فأنت تعلم يقينا أنك ما أردت ذلك أصلا، ولا أردت إلا الأول، ولا خرجت من بيتك إلا لقصد. ثم كذلك دعاؤهم له. فهذا الذي عليه هؤلاء شرك بلا ريب.
قال: وقد يعتقدون في بعض فسقة الأحياء، وينادونه في شدتهم والرخاء، وهو عاكف على الفضائح، لا يحضر حيث أمر الله عباده المؤمنين بالحضور هناك، ولا يحضر جمعة ولا جماعة، ولا يعود مريضا، ولا يشيع جنازة، ولا يكتسب حلالا، ويضم إلى ذلك دعوى التوكل والغيب، ويجلب إليه إبليس جماعة قد عشش في قلوبهم وباض وأفرخ، يصدقون هؤلاء بهتانه، ويعظمون شأنه، ويجعلونه ندا لرب العالمين، ومثلا له -عز وجل-.
فيا للعقول أين ذهبت! ويا للشرائع كيف جهلت!
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=194إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم [الأعراف: 194].
فإن قلت:
nindex.php?page=treesubj&link=28705_29430_28691أيصير هؤلاء الذين يعتقدون في القبور والأولياء والفسقة الخلفاء مشركين كالذين يعتقدون في الأصنام؟ قلت: نعم، قد حصل منهم ما حصل من أولئك، فساووهم في ذلك، بل
[ ص: 525 ] زادوا في الاعتقاد والانقياد والاستعباد، فلا فرق بينهم.
فإن قلت: هؤلاء القبوريون يقولون: نحن لا نشرك بالله، ولا نجعل له ندا، والالتجاء إلى الأولياء، والاعتقاد فيهم ليس بشرك. قلت: نعم، يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، وهذا جهل منهم؛ فإن تعظيمهم الأولياء، ونحرهم النحائر لهم شرك، والله تعالى يقول:
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=2فصل لربك وانحر [الكوثر: 2]؛ أي: لا لغيره كما يفيده تقديم الظرف، ويقول:
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=18فلا تدعوا مع الله أحدا [الجن: 18]، وقد سمى الرياء شركا، فكيف بما ذكر؟!
فهذا الذي يفعلونه لأوليائهم هو عين ما فعله المشركون، وصاروا به مشركين، ولا ينفعه قوله: أنا لا أشرك بالله شيئا؛ لأن فعله يكذب قوله. وقد صرح الفقهاء في كتب الفقه في باب الردة: أن
nindex.php?page=treesubj&link=28693من تكلم بكلمة الكفر يكفر، وإن لم يقصد معناها. وهذا دال على أن هؤلاء لا يعرفون حقيقة الإسلام، ولا ماهية التوحيد، فصاروا حينئذ كفارا كفرا أصليا. ومن نادى معه سبحانه، فقد أشرك في العبادة، والدعاء من العبادة.
وقد ذهب طائفة من أئمة العلم إلى جهادهم، فقالت: يجب أولا دعاؤهم إلى التوحيد، وأن ما هم عليه شرك، ولا يتم الإيمان بما جاءت به الرسل إلا بتركه والتوبة منه، وإفراد التوحيد اعتقادا وعملا، فإذا أبانه العلماء، وجب على الأئمة والملوك بعث دعاتهم إلى إخلاص التوحيد، فإن رجع وأقر، حقن عليه دمه وماله وذراريه، ومن أصر، فقد أباح الله منه ما أباحه لرسوله -صلى الله عليه وسلم- من المشركين. ولا يقال: قد صح في الحديث: أن العباد يوم القيامة يستغيثون
بآدم وغيره من الأنبياء إلى أن ينتهوا إلى
محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهذا استغاثة بالمخلوقين، وقد قال
[ ص: 526 ] تعالى في قصة
موسى -عليه السلام-:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه [القصص: 15]. لأنا نقول: هذا -أعني: طلب الدعاء لله تعالى من بعض عباده لبعض- جائز، بل
nindex.php?page=hadith&LINKID=673203قال -صلى الله عليه وسلم- nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر لما خرج معتمرا: «لا تنسنا يا أخي من دعائك»، وأمر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو ويستغفر لهم. وقد
nindex.php?page=hadith&LINKID=666134قالت nindex.php?page=showalam&ids=11088أم سليم: يا رسول الله! خادمك nindex.php?page=showalam&ids=9أنس، ادع الله له.
وكان الصحابة يطلبون الدعاء منه -صلى الله عليه وسلم- وهو حي، وهذا أمر متفق على جوازه. وإنما الكلام في
nindex.php?page=treesubj&link=28691_28695_28681استغاثة القبوريين وغيرهم بأوليائهم، وطلب أمور لا يقدر عليها إلا الله. بل أعجب من هذا: أن القبوريين وغيرهم قد يجعلون لهم حصة من الولد إن عاش، ويشترون منه الحمل في بطن أمه ليعيش لهم، ويأتون بمنكرات ما بلغ إليها المشركون.
وهذه النذور بالأموال، وجعل قسط منها للقبر، كما يجعلون شيئا من الزرع يسمونه « تلما» في بعض الجهات اليمنية للميت، وكذلك يجعلون لهم نصيبا من أنعامهم، وهو بعينه الذي كان يفعله المشركون، الذين حكى الله تعالى ذلك عنهم. فهؤلاء القبوريون والمعتقدون في جهال الأحياء وضلالهم، سلكوا مسالك المشركين حذو القذة بالقذة، فاعتقدوا فيهم ما لا يجوز أن يعتقدوه إلا في الله تعالى، وجعلوا لهم جزءا من المال، وقصدوا قبورهم من ديارهم، مسافرين للزيارة، وطافوا حول قبورهم، وقاموا خاضعين عند قبورهم، وهتفوا بهم عند الشدائد، ونحروا تقربا إليهم. ولا أدري هل فيهم من سجد لهم؟ ولا يستبعد أن فيهم من يعمل ذلك، بل
[ ص: 527 ] أخبرني من أثق به رأى من يسجد على عتبة باب مشهد الولي الذي يقصده تعظيما له وعبادة. ويقسمون بأسمائهم، بل إذا حلف من عليه حق بأسماء الله تعالى، لم يقبل، فإذا حلف بأحد الأولياء، قبلوه وصدقوه. وهكذا كان عباد الأصنام
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=45وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون [الزمر: 45].
وفي الحديث الصحيح:
nindex.php?page=hadith&LINKID=685139من حلف، فليحلف بالله، أو ليصمت»، nindex.php?page=hadith&LINKID=654482وسمع -صلى الله عليه وسلم- رجلا يحلف باللات والعزى، فأمره أن يقول: «لا إله إلا الله». وهذا يدل على أنه قد ارتد بالحلف بالصنم، فأمره أن يجدد إسلامه، فإنه قد كفر بذلك، كما قررناه في «سبل السلام»، و «منحة الغفار»، ولم تنفعهم كلمة الشهادة؛ فإنها لا تنفع إلا مع التزام معناها، ولم ينفع اليهود قولها، إنكارهم بعض الأنبياء. وكذلك من جعل غير من أرسله الله نبيا، لم تنفعه كلمة الشهادة، فكيف من
nindex.php?page=treesubj&link=28705_28691يجعل للولي خاصية الإلهية، ويناديه للمهمات؟!
وهذا أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي -رضي الله عنه- حرق أصحاب
عبد الله بن سبأ، وكانوا يقولون: «لا إله إلا الله». لكنهم غلوا فيه -كرم الله وجهه- واعتقدوا فيه ما يعتقده القبوريون وأشباههم. وقد وقع إجماع الأمة: أن
nindex.php?page=treesubj&link=28760من أنكر البعث، كفر وقتل، ولو قال الكلمة، فكيف من يجعل لله ندا!
وهكذا كل من أظهر التوحيد وجب الكف عنه إلى أن يتبين عنه ما يخالف ذلك.
[ ص: 528 ] فإذا تبين، لم تنفع هذه الكلمة بمجردها، ولذلك لم تنفع اليهود، ولا نفعت الخوارج، مع ما انضموا إليها من العبادة التي احتقرت الصحابة عبادتهم إلى جنبها. أمر -صلى الله عليه وسلم- بقتلهم، وقال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=656880لئن أدركتهم، لأقتلنهم قتل عاد»، وذلك لما خالفوا بعض الشريعة، وكانوا أشر القتلى تحت أديم السماء، كما ثبتت به الأحاديث. فثبت أن مجرد قول كلمة التوحيد، غير مانع عن ثبوت شرك من قالها؛ لارتكاب ما يخالفها من عبادة غير الله ونحوها. قال: وقد ذكر العلماء أن من
nindex.php?page=treesubj&link=28690تزيا بزي الكفار، صار كافرا، ومن تكلم بكلمة الكفر، صار كافرا. فكيف من بلغ هذه الرتبة اعتقادا وقولا وفعلا؟!
بَيَانُ شُبَهَاتِ عُبَّادِ الْقُبُورِ وَالرَّدِّ عَلَيْهَا
قَالَ فِي «التَّطْهِيرِ»: فَإِنْ قَالَ؛ أَيْ: عَابِدُ الْقُبُورِ: إِنَّ مَا نَحَرْتُ ذَكَرْتُ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ. فَقُلْ: إِنْ كَانَ النَّحْرُ لِلَّهِ، فَلِأَيِّ شَيْءٍ قَرَّبْتَ مَا تَنْحَرُهُ فِي بَابِ مَشْهَدِ مَنْ تُفَضِّلُهُ وَتَعْتَقِدُ فِيهِ؟! هَلْ أَرَدْتَ بِذَلِكَ تَعْظِيمَهُ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، فَقُلْ: هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=28682النَّحْرُ لِغَيْرِ اللَّهِ، أَشْرَكْتَ مَعَهُ غَيْرَهُ، وَإِنْ لَمْ تُرِدْ تَعْظِيمَهُ، فَهَلْ أَرَدْتَ تَوْسِيخَ بَابِ الْمَشْهَدِ، وَتَنْجِيسَ الدَّاخِلِينَ إِلَيْهِ؟ فَأَنْتَ تَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّكَ مَا أَرَدْتَ ذَلِكَ أَصْلًا، وَلَا أَرَدْتَ إِلَّا الْأَوَّلَ، وَلَا خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ إِلَّا لِقَصْدٍ. ثُمَّ كَذَلِكَ دُعَاؤُهُمْ لَهُ. فَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ شِرْكٌ بِلَا رَيْبٍ.
قَالَ: وَقَدْ يَعْتَقِدُونَ فِي بَعْضِ فَسَقَةِ الْأَحْيَاءِ، وَيُنَادُونَهُ فِي شِدَّتِهِمْ وَالرَّخَاءِ، وَهُوَ عَاكِفٌ عَلَى الْفَضَائِحِ، لَا يَحْضُرُ حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحُضُورِ هُنَاكَ، وَلَا يَحْضُرُ جُمْعَةً وَلَا جَمَاعَةً، وَلَا يَعُودُ مَرِيضًا، وَلَا يُشَيِّعُ جِنَازَةً، وَلَا يَكْتَسِبُ حَلَالًا، وَيَضُمُّ إِلَى ذَلِكَ دَعْوَى التَّوَكُّلِ وَالْغَيْبِ، وَيَجْلِبُ إِلَيْهِ إِبْلِيسُ جَمَاعَةً قَدْ عَشَّشَ فِي قُلُوبِهِمْ وَبَاضَ وَأَفْرَخَ، يُصَدِّقُونَ هَؤُلَاءِ بُهْتَانَهُ، وَيُعَظِّمُونَ شَأْنَهُ، وَيَجْعَلُونَهُ نِدًّا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمِثْلًا لَهُ -عَزَّ وَجَلَّ-.
فَيَا لَلْعُقُولِ أَيْنَ ذَهَبَتْ! وَيَا لَلشَّرَائِعِ كَيْفَ جَهِلَتْ!
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=194إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ [الْأَعْرَافُ: 194].
فَإِنْ قُلْتَ:
nindex.php?page=treesubj&link=28705_29430_28691أَيَصِيرُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ فِي الْقُبُورِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْفَسَقَةِ الْخُلَفَاءِ مُشْرِكِينَ كَالَّذِينِ يَعْتَقِدُونَ فِي الْأَصْنَامِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَدْ حَصَلَ مِنْهُمْ مَا حَصَلَ مِنْ أُولَئِكَ، فَسَاوَوْهُمْ فِي ذَلِكَ، بَلْ
[ ص: 525 ] زَادُوا فِي الِاعْتِقَادِ وَالِانْقِيَادِ وَالِاسْتِعْبَادِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ.
فَإِنْ قُلْتَ: هَؤُلَاءِ الْقُبُورِيُّونَ يَقُولُونَ: نَحْنُ لَا نُشْرِكُ بِاللَّهِ، وَلَا نَجْعَلُ لَهُ نِدًّا، وَالِالْتِجَاءُ إِلَى الْأَوْلِيَاءِ، وَالِاعْتِقَادُ فِيهِمْ لَيْسَ بِشِرْكٍ. قُلْتُ: نَعَمْ، يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَهَذَا جَهْلٌ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّ تَعْظِيمَهُمُ الْأَوْلِيَاءَ، وَنَحْرَهُمُ النَّحَائِرَ لَهُمْ شِرْكٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=2فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الْكَوْثَرُ: 2]؛ أَيْ: لَا لِغَيْرِهِ كَمَا يُفِيدُهُ تَقْدِيمُ الظَّرْفِ، وَيَقُولُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=18فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الْجِنُّ: 18]، وَقَدْ سَمَّى الرِّيَاءَ شِرْكًا، فَكَيْفَ بِمَا ذُكِرَ؟!
فَهَذَا الَّذِي يَفْعَلُونَهُ لِأَوْلِيَائِهِمْ هُوَ عَيْنُ مَا فَعَلَهُ الْمُشْرِكُونَ، وَصَارُوا بِهِ مُشْرِكِينَ، وَلَا يَنْفَعُهُ قَوْلُهُ: أَنَا لَا أُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ يُكَذِّبُ قَوْلَهُ. وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فِي بَابِ الرِّدَّةِ: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28693مَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ يَكْفُرُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَاهَا. وَهَذَا دَالٌّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْرِفُونَ حَقِيقَةَ الْإِسْلَامِ، وَلَا مَاهِيَّةَ التَّوْحِيدِ، فَصَارُوا حِينَئِذٍ كُفَّارًا كُفْرًا أَصْلِيًّا. وَمَنْ نَادَى مَعَهُ سُبْحَانَهُ، فَقَدْ أَشْرَكَ فِي الْعِبَادَةِ، وَالدُّعَاءُ مِنَ الْعِبَادَةِ.
وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ إِلَى جِهَادِهِمْ، فَقَالَتْ: يَجِبُ أَوَّلًا دُعَاؤُهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَأَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ شِرْكٌ، وَلَا يَتِمُّ الْإِيمَانُ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ إِلَّا بِتَرْكِهِ وَالتَّوْبَةِ مِنْهُ، وَإِفْرَادِ التَّوْحِيدِ اعْتِقَادًا وَعَمَلًا، فَإِذَا أَبَانَهُ الْعُلَمَاءُ، وَجَبَ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَالْمُلُوكِ بَعْثُ دُعَاتِهِمْ إِلَى إِخْلَاصِ التَّوْحِيدِ، فَإِنْ رَجَعَ وَأَقَرَّ، حَقَنَ عَلَيْهِ دَمَهُ وَمَالَهُ وَذَرَّارِيَّهُ، وَمَنْ أَصَرَّ، فَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ مِنْهُ مَا أَبَاحَهُ لِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَلَا يُقَالُ: قَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ الْعِبَادَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَسْتَغِيثُونَ
بِآدَمَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَى أَنْ يَنْتَهُوا إِلَى
مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهَذَا اسْتِغَاثَةٌ بِالْمَخْلُوقِينَ، وَقَدْ قَالَ
[ ص: 526 ] تَعَالَى فِي قِصَّةِ
مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [الْقَصَصُ: 15]. لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا -أَعْنِي: طَلَبَ الدُّعَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ بَعْضِ عِبَادِهِ لِبَعْضٍ- جَائِزٌ، بَلْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=673203قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- nindex.php?page=showalam&ids=2لِعُمَرَ لَمَّا خَرَجَ مُعْتَمِرًا: «لَا تَنْسَنَا يَا أَخِي مِنْ دُعَائِكَ»، وَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَدْعُوَ وَيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ. وَقَدْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=666134قَالَتْ nindex.php?page=showalam&ids=11088أُمُّ سَلِيمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! خَادِمُكَ nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسُ، ادْعُ اللَّهَ لَهُ.
وَكَانَ الصَّحَابَةُ يَطْلُبُونَ الدُّعَاءَ مِنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ حَيٌّ، وَهَذَا أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِهِ. وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28691_28695_28681اسْتِغَاثَةِ الْقُبُورِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ بِأَوْلِيَائِهِمْ، وَطَلَبِ أُمُورٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا اللَّهُ. بَلْ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا: أَنَّ الْقُبُورِيِّينَ وَغَيْرَهُمْ قَدْ يَجْعَلُونَ لَهُمْ حِصَّةً مِنَ الْوَلَدِ إِنْ عَاشَ، وَيَشْتَرُونَ مِنْهُ الْحَمْلَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ لِيَعِيشَ لَهُمْ، وَيَأْتُونَ بِمُنْكَرَاتٍ مَا بَلَغَ إِلَيْهَا الْمُشْرِكُونَ.
وَهَذِهِ النُّذُورُ بِالْأَمْوَالِ، وَجَعْلُ قِسْطٍ مِنْهَا لِلْقَبْرِ، كَمَا يَجْعَلُونَ شَيْئًا مِنَ الزَّرْعِ يُسَمُّونَهُ « تَلَمًا» فِي بَعْضِ الْجِهَاتِ الْيَمَنِيَّةِ لِلْمَيِّتِ، وَكَذَلِكَ يَجْعَلُونَ لَهُمْ نَصِيبًا مِنْ أَنْعَامِهِمْ، وَهُوَ بِعَيْنِهِ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ الْمُشْرِكُونَ، الَّذِينَ حَكَى اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْهُمْ. فَهَؤُلَاءِ الْقُبُورِيُّونَ وَالْمُعْتَقِدُونَ فِي جُهَّالِ الْأَحْيَاءِ وَضُلَّالِهِمْ، سَلَكُوا مَسَالِكَ الْمُشْرِكِينَ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ، فَاعْتَقَدُوا فِيهِمْ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَقِدُوهُ إِلَّا فِي اللَّهِ تَعَالَى، وَجَعَلُوا لَهُمْ جُزْءًا مِنَ الْمَالِ، وَقَصَدُوا قُبُورَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، مُسَافِرِينَ لِلزِّيَارَةِ، وَطَافُوا حَوْلَ قُبُورِهِمْ، وَقَامُوا خَاضِعِينَ عِنْدَ قُبُورِهِمْ، وَهَتَفُوا بِهِمْ عِنْدَ الشَّدَائِدِ، وَنَحَرُوا تَقَرُّبًا إِلَيْهِمْ. وَلَا أَدْرِي هَلْ فِيهِمْ مَنْ سَجَدَ لَهُمْ؟ وَلَا يُسْتَبْعَدُ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَعْمَلُ ذَلِكَ، بَلْ
[ ص: 527 ] أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ رَأَى مَنْ يَسْجُدُ عَلَى عَتَبَةِ بَابِ مَشْهَدِ الْوَلِيِّ الَّذِي يَقْصِدُهُ تَعْظِيمًا لَهُ وَعِبَادَةً. وَيُقْسِمُونَ بِأَسْمَائِهِمْ، بَلْ إِذَا حَلَفَ مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، لَمْ يُقْبَلْ، فَإِذَا حَلَفَ بِأَحَدِ الْأَوْلِيَاءِ، قَبِلُوهُ وَصَدَّقُوهُ. وَهَكَذَا كَانَ عُبَّادُ الْأَصْنَامِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=45وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزُّمَرُ: 45].
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=685139مَنْ حَلَفَ، فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، أَوْ لِيَصْمُتْ»، nindex.php?page=hadith&LINKID=654482وَسَمِعَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا يَحْلِفُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ». وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدِ ارْتَدَّ بِالْحَلِفِ بِالصَّنَمِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُجَدِّدَ إِسْلَامَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ كَفَرَ بِذَلِكَ، كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي «سُبُلِ السَّلَامِ»، وَ «مِنْحَةِ الْغَفَّارِ»، وَلَمْ تَنْفَعْهُمْ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ؛ فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعُ إِلَّا مَعَ الْتِزَامِ مَعْنَاهَا، وَلَمْ يَنْفَعِ الْيَهُودَ قَوْلُهَا، إِنْكَارَهُمْ بَعْضَ الْأَنْبِيَاءِ. وَكَذَلِكَ مَنْ جَعَلَ غَيْرَ مَنْ أَرْسَلَهُ اللَّهُ نَبِيًّا، لَمْ تَنْفَعْهُ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ، فَكَيْفَ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28705_28691يَجْعَلُ لِلْوَلِيِّ خَاصِّيَّةَ الْإِلَهِيَّةِ، وَيُنَادِيهِ لِلْمُهِمَّاتِ؟!
وَهَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حَرَقَ أَصْحَابَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ». لَكِنَّهُمْ غَلَوْا فِيهِ -كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ- وَاعْتَقَدُوا فِيهِ مَا يَعْتَقِدُهُ الْقُبُورِيُّونَ وَأَشْبَاهُهُمْ. وَقَدْ وَقَعَ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28760مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ، كُفِّرَ وَقُتِلَ، وَلَوْ قَالَ الْكَلِمَةَ، فَكَيْفَ مَنْ يَجْعَلُ لِلَّهِ نِدًّا!
وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ أَظْهَرَ التَّوْحِيدَ وَجَبَ الْكَفُّ عَنْهُ إِلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ عَنْهُ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ.
[ ص: 528 ] فَإِذَا تَبَيَّنَ، لَمْ تَنْفَعْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ بِمُجَرَّدِهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ تَنْفَعِ الْيَهُودَ، وَلَا نَفَعَتِ الْخَوَارِجَ، مَعَ مَا انْضَمُّوا إِلَيْهَا مِنَ الْعِبَادَةِ الَّتِي احْتَقَرَتِ الصَّحَابَةُ عِبَادَتَهُمْ إِلَى جَنْبِهَا. أَمَرَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَتْلِهِمْ، وَقَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=656880لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ، لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ»، وَذَلِكَ لَمَّا خَالَفُوا بَعْضَ الشَّرِيعَةِ، وَكَانُوا أَشَرَّ الْقَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، كَمَا ثَبَتَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ. فَثَبَتَ أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، غَيْرُ مَانِعٍ عَنْ ثُبُوتِ شِرْكِ مَنْ قَالَهَا؛ لِارْتِكَابِ مَا يُخَالِفُهَا مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ وَنَحْوِهَا. قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28690تَزَيَّا بِزِيِّ الْكَفَّارِ، صَارَ كَافِرًا، وَمَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، صَارَ كَافِرًا. فَكَيْفَ مَنْ بَلَغَ هَذِهِ الرُّتْبَةَ اعْتِقَادًا وَقَوْلًا وَفِعْلًا؟!