حكم شد الرحال إلى قبور الأنبياء والأولياء
وأقول: مسألة من المسائل التي اختلف فيها قول العلماء قديما وحديثا، بل قامت عليها القيامة بين أئمة الحنابلة وغيرهم، ووقعت لها قلاقل وزلازل في كل قطر وعصر إلى يومنا هذا في العرب والعجم جميعا، وذهب كل ذاهب من أهل المذاهب الأربعة إلى ما دعته إليه شكيمته، ودندن كل واحد من أصحاب المشارب حول فكرته، وجاء كل امرئ بما بدا له فيها، ولم يهتد -فيما علمت- في هذه المسألة إلا أصحاب الحديث، وعصابة المتبعين له، وللقرآن الكريم. وطال البحث عنها في رسائل مستقلة ومسائل مفردة، وفي كتب شروح الحديث، حتى ضاق نطاق التحرير من ضبط هذه الإطالة. السفر والرحلة وشد الرحال إلى زيارة القبور
والحق ما حققه صاحب «الصارم المنكي»، وصاحب «عون الباري»، وغيرهما من أهل التحقيق. وقد تقرر في موضعه: أنه إذا وقع الخلاف بين الناس في كون الشيء جائزا، يجب الرد فيه إلى كتاب الله سبحانه، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بنص الكتاب نفسه. فهذه المسألة من هذا القبيل؛ لأنه وقع فيها الخلاف بين العلماء منذ زمن طويل عريض، فوجب الرد فيها إلى القرآن والحديث؛ ليتبين المصيب من المخطئ، ومن بيده الحق، ومن بيده غيره، حتى يعرف لك حق معرفته، ويتضح لك غاية الاتضاح. فإن الشيء إذا ضربت له الأمثلة، وصورت له الصور، بلغ من الوضوح والجلاء إلى غاية لا يخفى على من له فهم صحيح، وعقل رجيح، فضلا عمن يكون له في العلم نصيب، ومن العرفان حظ، وهي مسألة الزيارة والرحلة لها.
[ ص: 546 ]