بيان أنواع الكفر وانحراف الصنعاني عن الحق
وتحقيقه: أن الكفر كفر عمل، وكفر جحود وعناد.
فكفر الجحود: أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحودا وعنادا.
فهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه.
وأما كفر العمل، فهو نوعان: 1- نوع يضاد الإيمان 2- ونوع لا يضاده.
ثم نقل عن ابن القيم كلاما في هذا المعنى، ثم قال السيد المذكور:
قلت: ومن هذا -يعني: الكفر العملي- من يدعو الأولياء، ويهتف بهم عند الشدائد، ويطوف بقبورهم، ويقبل جدرانها، وينذر لها شيئا من ماله، فإنه كفر عملي لا اعتقادي، فإنه مؤمن بالله، وبرسوله، وباليوم الآخر.
لكن زين له الشيطان أن هؤلاء -عباد الله الصالحين- ينفعون، ويشفعون، ويضرون، فاعتقدوا ذلك كما اعتقده أهل الجاهلية في الأصنام.
لكن هؤلاء مثبتون التوحيد لله، لا يجعلون الأولياء آلهة كما قاله الكفار إنكارا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما دعاهم إلى كلمة التوحيد: أجعل الآلهة إلها واحدا [ص: 5] فهؤلاء جعلوا لله شركاء حقيقة، فقالوا في التلبية: فأثبتوا للأصنام شركة مع رب الأنام، وإن كانت عباراتهم الضالة قد أفادت أنه لا شريك له; لأنه إذا كان [ ص: 81 ] يملكه وما ملك، فليس شريكا له تعالى، بل مملوك. "لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك"
فعباد الأصنام، الذين جعلوا لله أندادا، واتخذوا من دونه شركاء، وتارة يقولون: شفعاء يقربونهم إلى الله زلفى.
بخلاف جهلة المسلمين، الذين اعتقدوا في أوليائهم النفع والضر، فإنهم مقرون لله بالوحدانية، وإفراده بالإلهية، وصدقوا رسله.
فالذي أتوه من تعظيم الأولياء كفر عمل لا اعتقاد.
فالواجب وعظهم، وتعريفهم جهلهم، وزجرهم -ولو بالتعزير- كما أمرنا بحد الزاني والشارب والسارق من أهل الكفر العملي، إلى أن قال:
فهذه كلها قبائح محرمة من أعمال الجاهلية، فهو من الكفر العملي وقد ثبت أن هذه الأمة تفعل أمورا من أمور الجاهلية هي من الكفر العملي; كحديث: أخرجه "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: 1- الفخر في الأحساب. 2- والطعن في الأنساب. 3- والاستسقاء بالنجوم. 4- والنياحة" في "صحيحه" من حديث مسلم أبي مالك الأشعري.
فهذه من الكفر العملي لا تخرج بها الأمة عن الملة، بل هم مع إتيانهم بهذه الخصلة الجاهلية أضافهم إلى نفسه فقال: "من أمتي".
فإن قلت: الجاهلية تقول في أصنامها: إنهم يقربونهم إلى الله زلفى كما يقوله القبوريون، ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله كما يقوله القبوريون.
قلت: لا سواء; فإن القبوريين مثبتون التوحيد لله، قائلون: إنه لا إله إلا هو، ولو ضربت عنقه على أن يقول: إن الولي إله مع الله، لما قالها، بل عنده اعتقاد جهل أن الولي لما أطاع الله، كان له بطاعته عنده تعالى جاه، به تقبل شفاعته، ويرجى نفعه، لا أنه إله مع الله.
بخلاف الوثني; فإنه امتنع عن قول: "لا إله إلا الله" حتى ضربت عنقه، [ ص: 82 ] زاعما أن وثنه إله مع الله، ويسميه ربا وإلها، قال يوسف -عليه السلام-: أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار [يوسف: 39] سماهم أربابا; لأنهم كانوا يسمونهم بذلك، كما قال الخليل: هذا ربي [الأنعام: 76] في الثلاث الآيات، مستفهما لهم، مبكتا متكلما على خطابهم، حيث يسمون الكواكب أربابا، وقالوا: أجعل الآلهة إلها واحدا ، وقال قوم إبراهيم: من فعل هذا بآلهتنا [الأنبياء: 59] أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم [الأنبياء: 92].
وقال إبراهيم: أإفكا آلهة دون الله تريدون .
ومن هنا يعلم أن كما توهمه من توهم من قوله: الكفار غير مقرين بتوحيد الإلهية والربوبية ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ، (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض؟ ليقولن خلقهن العزيز الحكيم) ، قل من يرزقكم من السماء والأرض إلى قوله: فسيقولون الله فهذا إقرار بتوحيد الخالقية والرازقية ونحوهما، إلا أنه إقرار بتوحيد الإلهية; لأنهم يجعلون أوثانهم أربابا كما عرفت.
فهذا الكفر الجاهلي كفر اعتقاد، ومن لازمه كفر العمل.
بخلاف من اعتقد في الأولياء النفع والضر، مع توحيد الله، والإيمان به وبرسله وباليوم الآخر، فإنه كفر عمل.
فهذا تحقيق بالغ، وإيضاح لما هو الحق من غير إفراط ولا تفريط. انتهى كلام السيد المذكور رحمه الله.