[ ص: 157 ] ما جاء في ذم التقليد من الآيات والأحاديث وأقوال العلماء
وأما أقوال أهل المعرفة بالحق في ذم التقليد، فهي أكثر من أن تحصر، فنذكر منها هاهنا قليلا كما قيل: "ما لا يدرك كله لا يترك كله".
قال صالح بن محمد الفلاني في "إيقاظ همم أولي الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار" في باب فساد التقليد ونفيه، والفرق بين التقليد والاتباع، ما عبارته:
قد فقال : ذم الله -تبارك وتعالى- التقليد في غير موضع من كتابه، اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله .
أخرج في "المدخل" البيهقي في كتاب العلم، بأسانيدهما إلى وابن عبد البر حذيفة بن اليمان: أنه قيل في الآية: أكانوا يعبدونهم؟ فقال: لا، ولكن كانوا يحلون لهم الحرام فيحلونه، ويحرمون عليهم الحلال فيحرمونه، فصاروا بذلك أربابا.
قال وقد روي هذا عن البيهقي: مرفوعا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فساقه بسنده، وفيه قصة الصليب في عنقه، وفيه: عدي بن حاتم
فقال: "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه؟" قلت: نعم، قال: "فتلك عبادتهم". فقلت: يا رسول الله! إنا لسنا نعبدهم.
هذا لفظ حديث إسحاق بن محمد السوسي.
وفي رواية الحافظ: فقال: "أليس كانوا يحلون لكم الحرام فتحلونه، ويحرمون عليكم الحلال فتحرمونه؟ قلت: بلى، قال: "فتلك عبادتهم".
وروى عن ابن عبد البر أبي البختري في الآية، قال: أما إنهم لو أمروهم أن يعبدوهم من دون الله، ما أطاعوهم، ولكن أمروا، فجعلوا حلال الله حراما، وحرامه حلالا، فأطاعوهم، فكانت تلك الربوبية.
[ ص: 158 ] وقال تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم [الإسراء: 34] وفي مثل هؤلاء وأمثالهم قال -عز وجل-: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون [الأنفال: 22] وقال عائبا لأهل الكفر، وذاما لهم: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ، وقال: إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ، ومثل هذا في القرآن كثير، من ذم تقليد الآباء والرؤساء والسادة والكبراء.
وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد، ولم يمنعهم كفر أولئك من الاحتجاج بها; لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر، إنما وقع بين التقليدين بلا حجة للمقلد، كما لو قلد رجلا فكفر، وقلد آخر فأذنب، وقلد آخر في مسألة ونهاه، فأخطأ وجهها، وكان كل واحد ملوما على التقليد بغير حجة; لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا، وإن اختلفت الآثام فيه.
وقال تعالى: وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون [التوبة: 116] وفيه دليل على بطلان التقليد.
فإذا بطل، وجب التسليم للأصول، وهي الكتاب والسنة، أو ما كان في معناهما بدليل جامع بين ذلك. انتهى كلام ابن عبد البر.
وقال بسنده عن البيهقي مرفوعا: ابن عباس "مهما أوتيتم من كتاب الله، فالعمل به لا عذر لأحد في تركه، فإن لم يكن في كتاب الله، فسنة مني ماضية، فإن لم يكن سنة مني، فما قال أصحابي، إن أصحابي بمنزلة النجوم، فأيما أخذتم به اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة".
قال هذا حديث متنه مشهور، وأسانيده ضعيفة، لم يثبت في هذا إسناد. انتهى. البيهقي:
قال ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلا، إن آمن آمن، وإن كفر كفر، فإنه لا أسوة في الشر. ابن مسعود:
وهذا كله نفي للتقليد وإبطال له.
قال لا فرق بين بهيمة تنقاد وإنسان يقلد. ابن المعتز:
[ ص: 159 ] قال قلت لأبي: الرجل تنزل به النازلة، وليس يجد إلا قوما من أصحاب الحديث والرواية، ولا علم لهم بالفقه، وقوما من أصحاب الرأي، لا علم لهم بالحديث؟. عبد الله بن الإمام أحمد:
قال: يسأل أصحاب الحديث، ولا يسأل أصحاب الرأي; فإن الحديث الضعيف خير من الرأي القوي.
والآثار عن الصحابة، والأقوال من السلف في هذا كثيرة جدا.
ومن تأمل في مقالات الأئمة الأربعة في الحث على ألا يستفتى إلا العالم بالكتاب والسنة، عرف صدق ما ذكرنا.