رجوع إلى حكاية أقوال الأئمة الأربعة في إنكار التقليد والنهي عنه
فإذا عرفت ما نقلناه عن أئمة المذاهب الأربعة، من تقديم النص على آرائهم، فقد قدمنا لك أيضا حكاية الإجماع على منعهم من التقليد، وحكينا لك ما قاله الإمام وما قاله إمام دار الهجرة أبو حنيفة، من ذلك، أو لاح لك مما نقلناه قريبا ما يقول الإمام مالك بن أنس من محمد بن إدريس الشافعي منع التقليد.
وقد قال المزني في أول "مختصره" ما نصه: اختصرت هذا من علم ومن معنى قوله ; لأقرأه على من أراده مع إعلانه بنهيه عن تقليده، وتقليد غيره; لينظر فيه لدينه، ويحتاط فيه لنفسه. انتهى . الشافعي،
[ ص: 217 ] فانظر ما نقله هذا الإمام الذي هو من أعلم الناس بمذهب -رحمه الله -، من تصريحه بمنع تقليده، وتقليد غيره. الشافعي
وأما الإمام فالنصوص عنه في منع التقليد كثيرة. أحمد بن حنبل،
قال قلت أبو داود: لأحمد: هو أتبع من الأوزاعي فقال: لا تقلد دينك أحدا من هؤلاء، ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فخذ به. مالك؟
وقال سمعته - يعني: أبو داود: يقول: الاتباع: أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، ثم من هو من التابعين بخير. انتهى . أحمد بن حنبل
فانظر كيف فرق بين التقليد والاتباع؟!
وقال لي لا تقلدني، ولا أحمد: ولا مالك، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، الثوري. وخذ من حيث أخذوا.
وقال: من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال ..
قال ابن القيم: ولأجل هذا لم يؤلف الإمام كتابا في الفقه، وإنما دون أصحابه مذهبه من أقواله وأفعاله وأجوبته وغير ذلك. أحمد
وقال ابن الجوزي في "تلبيس إبليس" : اعلم أن المقلد على غير ثقة فيما قلد، وفي التقليد إبطال منفعة العقل، ثم أطال الكلام في ذلك.
وبالجملة: فنصوص أئمة المذاهب الأربعة في المنع من التقليد، وفي تقديم النص على آرائهم وآراء غيرهم، لا تخفى على عارف من أتباعهم وغيرهم.